لصدقه ، لكنهم مع كل هذا ما التفتوا إلى الداعي لهم إلى الرشاد ، والهادي لهم إلى سواء السبيل ، بل أعرضوا وتولوا مستكبرين كما قال :
(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) أي وإن ير المشركون علامة تدلهم على حقيقة نبوتك ، وترشدهم إلى صدق ما جئت به من عند ربك ، يعرضوا عنها ويولوا مكذبين بها ، منكرين أن يكون ذلك حقا ، ويقولوا تكذيبا منهم بها : هذا سحر سحرنا به محمد ، وهو يفعل ذلك على مرّ الأيام.
وفى هذا إيماء إلى ترادف الآيات ، وتتابع المعجزات.
وقال الكسائي والفرّاء واختاره النحاس : إن المراد بالمستمر الذاهب الزائل عن قرب ، إذ هم قد عللوا أنفسهم ومنّوها بالأمانى الفارغة ، وكأنهم قالوا : إن حاله عليه السلام وما ظهر من معجزاته إن هى إلا سحابة صيف عن قريب تقشع ، ولكن أيهات أيهات ، فقد غرّتهم الأمانى : «وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ».
ثم أكد ما سبق بقوله :
(وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) أي وكذبوا بالحق إذ جاءهم ، واتبعوا ما أمرتهم به أهواؤهم ، لجهلهم وسخف عقولهم.
والخلاصة ـ إنهم كذبوا النبي صلّى الله عليه وسلّم وتركوا حججه وقالوا : هو كاهن يقول عن النجوم ويختار الأوقات للأفعال ، وساحر يسترهب الناس بسحره ، إلى أشباه هذا من مقالاتهم التي تدل على العناد وعدم قبول الحق.
ثم سلّى رسوله وهدد المشركين بقوله :
(وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) أي وكل شىء ينتهى إلى غاية تشاكله ، فأمرهم سينتهى إلى الخذلان فى الدنيا والعذاب الدائم فى الآخرة ، وأمرك سينتهى إلى النصر فى الدنيا والجنة فى الآخرة.