فقد روي : أن عبد الله بن جعفر سئل : أين دفنتم أمير المؤمنين؟ قال : خرجنا به حتى اذا كنا بظهر النجف دفناه هناك. وقد ثبت أن زين العابدين وجعفر الصادق وابنه موسى عليهمالسلام زاروه في هذا المكان ، ولم يزل القبر مستورا لا يعرفه إلا خواص أولاده ومن يثقون به بوصية كانت منه ـ عليهالسلام ـ لما علمه من دولة بني أمية من بعده واعتقاداته وما ينتهون اليه فيه من قبح الفعال والمقال بما تمكنوا من ذلك ؛ فلم يزل قبره ـ عليهالسلام مخفيا حتى كان زمن الرشيد هارون بن محمد بن عبد الله العباسي فانه خرج ذات يوم الى ظاهر الكوفة يتصيد وهناك حمر وحشية وغزلان ، فكان كلما ألقى الصقور والكلاب عليها لجأت الى كثيب رمل هناك فترجع عنها الصقور ؛ فتعجب الرشيد من ذلك ورجع الى الكوفة وطلب من له علم بذلك فأخبره بعض شيوخ الكوفة أنه قبر أمير المؤمنين علي عليهالسلام.
فيحكى أنه خرج (١) ليلا إلى هناك ومعه على بن عيسى الهاشمي ، وأبعد أصحابه عنه وقام يصلي عند الكثيب ويبكي ويقول : والله يا ابن عم أني لأعرف حقك ، ولا أنكر فضلك ، ولكن ولدك يخرجون علي ويقصدون قتلي وسلب ملكي. الى أن قرب الفجر وعلي بن عيسى نائم فلما قرب الفجر أيقظه هارون وقال : قم فصل عند قبر ابن عمك. قال : وأي ابن عم هو؟ قال : امير المؤمنين علي بن ابي طالب ، فقام علي بن عيسى فتوضأ وصلّى وزار القبر. ثم إن هارون
__________________
(معجم البلدان) بمادة النجف والغري ، والكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) ص ٣٢٣ وابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص ١٣٨ وابن طلحة الشافعي في (مطالب السؤل) ص ٦٣ ؛ وابن ابي الحديد في (شرح النهج) ج ١ ، ص ٣٦٤ وج ٢ ص ٤٥ وص ٤٩٥ وسبط ابن الجوزي في (التذكرة) ص ١٠٣.
(١) انظر الحكاية بطولها في (فرحة الغرى) لابن طاووس ص ٥١ ـ ص ٥٢ وفي (كفاية الطالب) للحافظ الكنجي الشافعي ص ٣٢٣. م ص