الغيب بأنه نفس؟. قلنا : لا يمتنع ان يكون الوجه في ذلك ان نفس الانسان لما كانت خفية الموضع الذي يودعه سرها ، انزل ما يكتمه ويجهد في سره منزلتها فقيل فيه انه نفس مبالغة في وصفه بالكتمان والخفاء. وانما حسن ان يقول مخبرا عن نبيه (ع) (ولا اعلم ما في نفسك) من حيث تقدم قوله (تعلم ما في نفسي) ليزدوج الكلام. فلهذا لا يحسن ابتداء ان يقول انا لا اعلم ما في نفس الله تعالى ، وان حسن على الوجه الاول. ولهذا نظائر في الكلام مشهورة. حول تفويضه الامر لله تعالى : (مسألة) : فإن قيل فما معنى قوله تعالى حاكيا عن عيسى (ع) : (ان تعذبهم فانهم عبادك ، وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم) وكيف يجوز هذا المعنى مع علمه (ع) بأنه تعالى لا يغفر للكفار؟. (الجواب) : قلنا : المعنى بهذا الكلام تفويض الامر إلى مالكه وتسليمه إلى مديره ، والتبري من أن يكون إليه شئ من أمور قومه. وعلى هذا يقول أحدنا إذا أراد ان يتبرأ من تدبير امر من الامور ويسلم منه ويفوض امره إلى غيره ، يقول : هذا الامر لا مدخل لي فيه فإن شئت ان تفعله ، وان شئت ان تتركه ، مع علمه وقطعه على ان أحد الامرين لابد ان يكون منه. وانما حسن منه ذلك لما أخرج كلامه مخرج التفويض والتسليم. وقد روي عن الحسن انه قال : معنى الآية ان تعذبهم فبإقامتهم على كفرهم ، وان تغفر لهم فبتوبة كانت منهم. فكأنه اشترط التوبة وان لم يكن الشرط ظاهرا في الكلام. فان قيل : فلم لم يقل وان تغفر لهم فانك انت الغفور الرحيم؟ فهو اليق في الكلام ومعناه من العزيز الحكيم؟. قلنا : هذا سؤال من لم يعرف معنى الآية ، لان الكلام لم يخرج مخرج مسألة غفران ، فيليق بما ذكر في السؤال. وانما ورد على معنى تسليم الامر إلى مالكه. فلو قيل فانك انت الغفور الرحيم ، لاوهم الدعاء لهم بالمغفرة. ولم يقصد ذلك بالكلام. على ان قوله «العزيز الحكيم» ابلغ في المعنى وأشد استيفاء من «الغفور الرحيم» وذلك ان الغفران والرحمة قد يكونان حكمة وصوابا ،