في مواضع كثيرة ، وإذا ثبت هذا جملة جروا مجرى الانبياء (ع) فيما يجوز عليهم ومالا يجوز ، فإذا كنا قد بينا ان الكبائر والصغائر لا يجوزان على الانبياء (ع) قبل النبوة ولا بعدها ، لما في ذلك من التنفير عن قبول اقوالهم ، ولما في تنزيههم عن ذلك من السكون إليهم ، فكذلك يجب أن يكون الائمة عليهم السلام منزهين عن الكبائر والصغائر قبل الامامة وبعدها ، لان الحال واحدة. وإذ قد قدمنا ما أردنا تقديمه في هذا الباب فنحن نبتدئ بذكر الكلام على ما تعلقوا به من جواز الكبائر على الانبياء (ع) من الكتاب.
في تنزيه آدم عليه السلام
(مسألة) فمما تعلقوا به قوله تعالى في قصة آدم (ع) : (وعصى آدم ربه فغوى). قالوا وهذا تصريح بوقوع المعصية التي لا تكون إلا قبيحة ، وأكده بقوله فغوى ، وهذا تصريح بوقوع المعصية ، والغي ضد الرشد. (الجواب) : يقال لهم أما المعصية فهى مخالفة الامر ، والامر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب وبالمندوب معا ، فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم عليه السلام مندوبا إلى ترك التناول من الشجرة ، ويكون بمواقعتها تاركا نفلا وفضلا وغير فاعل قبيحا ، وليس يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصيا كما يسمى بذلك تارك الواجب. فإن تسمية من خالف ما أمر به سواه كان واجبا أو نفلا بأنه عاص ظاهرة ، ولهذا يقولون أمرت فلانا بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني ، وإن لم يكن ما أمره به واجبا ، وأما قوله (فغوى) ، فمعناه انه خاب ، لانا نعلم انه لو فعل ما ندب إليه من ترك التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظيم. فإذا خالف الامر ولم يصر إلى ما ندب إليه ، فقد خاب لا محالة ، من حيث انه لم يصر إلى الثواب الذى كان يستحق بالامتناع ، ولا شبهة في أن لفظ غوى يحتمل الخيبة. قال الشاعر : فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره؟ ومن يغو لا يعدم على الغي لائما فإن قيل : كيف يجوز أن يكون ترك الندب