معصية؟ أو ليس هذا يوجب ان توصف الانبياء (ع) بأنهم عصاة في كل حال ، وأنهم لا ينفكون من المعصية لانهم لا يكادون ينفكون من ترك الندب؟ قلنا : وصف تارك الندب بانه عاص توسع وتجوز والمجاز لا يقاس عليه ولا يعدى به عن موضعه. ولو قيل انه حقيقة في فاعل القبيح وتارك الاولى والافضل ، ولم يجز إطلاقه أيضا في الانبياء (ع) إلا مع التقييد لان استعماله قد كثر في القبائح ، فإطلاقه بغير تقييد موهم ، لكنا نقول : ان أردت بوصفهم بأنهم عصاة أنهم فعلوا القبايح فلا يجوز ذلك ، وان أردت انهم تركوا ما لو فعلوه استحقوا الثواب وكان أولى فهم كذلك. فإن قيل : فأي معنى لقوله تعالى : (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) وأي معنى لقوله تعالى : (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم) فكيف تقبل توبة من لم يذنب؟ ام كيف يتوب من لم يفعل القبيح؟ قلنا : أما التوبة في اللغة : الرجوع ، ويستعمل في واحد منا وفى القديم تعالى. والثانى ان التوبة عندنا وعلى أصولنا فغير موجبة لا سقاط العقاب ، وإنما يسقط الله تعالى العقاب عندها تفضلا ، والذى توجبه التوبة وتؤثره هو استحقاق الثواب ، فقبولها على هذا الوجه انما هو ضمان الثواب عليها. فمعنى قوله تعالى : (تاب عليه) انه قبل توبته وضمن له ثوابها ، ولابد لمن ذهب إلى ان معصية آدم عليه السلام صغيرة من هذا الجواب ، لانه إذا قيل له كيف تقبل توبته وتغفر له معصيته؟ قد وقعت في الاصل مكفرة لا يستحق عليها شيئا من العقاب ، لم يكن له بد من الرجوع إلى ما ذكرناه ، والتوبة قد تحسن ان تقع ممن لا يعهد من نفسه قبيحا على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والرجوع إليه ، ويكون وجه حسنها في هذا الموضع إستحقاق الثواب بها أو كونها لفظا ، كما يحسن أن تقع ممن يقطع على انه غير مستحق للعقاب ، وأن التوبة لا تؤثر في اسقاط شئ يستحقه من العقاب ، ولهذا جوزوا التوبة من الصغائر وإن لم