عيسى عليه السلام
فان قيل فما معنى قوله تعالى : (واذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي ألهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك إنك انت علام الغيوب) وليس يخلو من ان يكون عيسى عليه السلام ممن قال ذلك ، أو يجوز ان يقوله. وهذا خلاف ما تذهبون إليه في الانبياء عليهم السلام. أو يكون ممن لم يقل ذلك ولا يجوز ان يقوله فلا معنى لاستفهامه تعالى منه وتقريره ، ثم أي معنى في قوله ولا اعلم ما في نفسك؟ وهذه اللفظة لا تكاد تستعمل في الله تعالى. (الجواب) : قلنا : ان قوله تعالى (أأنت قلت للناس) ليس باستفهام على الحقيقة وان كان خارجا مخرج الاستفهام ، والمراد به تقريع من ادعى ذلك عليه من النصارى وتوبيخهم وتأنيبهم وتكذيبهم ، وهذا يجري مجرى قول احدنا لغيره افعلت كذا وكذا؟ وهو يعلم انه لم يفعله ويكون مراده تقريع من ادعى ذلك عليه ، وليقع الانكار والجحود ممن خوطب بذلك فيبكت من ادعاه عليه. وفيه وجه آخر : وهو أنه تعالى. اراد بهذا القول تعريف عيسى عليه السلام ان قوما قد اعتقدوا فيه وفي أمه انهما إلهان ، لانه ممكن ان يكون عيسى (ع) لم يعرف ذلك إلا في تلك الحال. ونظيره في التعارف ان يرسل الرجل رسولا إلى قوم فيبلغ الرسول رسالته ويفارق القوم فيخالفونه بعده ويبدلون ما اتى به وهو لا يعلم ، ويعلم المرسل له ذلك ، فإذا أحب أن يعلمه مخالفة القوم له جاز ان يقول له أأنت أمرتهم بكذا وكذا على سبيل الاخبار له بما صنعوا. بيان معنى النفس في اللغة : فأما قوله (ع) : تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك ، فإن لفظة النفس تنقسم في اللغة إلى معان مختلفة. فالنفس نفس الانسان أو غيره من الحيوان ، وهي التي إذا فقدها خرج عن كونه حياء. ومنه قوله تعالى :