ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلا إلى الموادعة ، وطلب نفسه (ع) فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه. وهذا واضح لمن تأمله ، وإذا كنا قد بينا عذر أمير المؤمنين عليه السلام في الكف عن نزاع من استولى على ما هو مردود إليه من أمر الامة ، وأن الحزم والصواب فيما فعله ، فذلك بعينه عذر لكل إمام من أبنائه عليهم السلام في الكف عن طلب حقوقهم من الامامة ، فلا وجه لتكرار ذلك في كل إمام من الائمة (ع) والوجه أن نتكلم على ما لم يمض الكلام على مثله.
أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام
إن قيل كيف تولى على بن موسى الرضا عليه السلام العهد للمأمون ، وتلك جهة لا يستحق الامامة منها ، أو ليس هذا إيهاما فيما يتعلق بالدين؟ (الجواب) : قلنا قد مضى من الكلام في سبب دخول أمير المؤمنين في الشورى ما هو أصل في هذا الباب ، وجملته ان ذا الحق له أن يتوصل إليه من كل جهة ، وبكل سبب ، لا سيما إذا كان يتعلق بذلك الحق تكليف عليه ، فإنه يصير واجبا عليه التوصل والتحمل والتصرف في الامامة مما يستحقه الرضا صلوات الله عليه وآله بالنص من آبائه. فإذا دفع عن ذلك وجعل إليه من وجه آخر أن يتصرف فيه ، وجب عليه أن يجيب إلى ذلك الوجه ليصل منه إلى حقه. وليس في هذا إيهام لان الادلة الدالة على استحقاقه (ع) للامامة بنفسه تمنع من دخول الشبهة بذلك ، وان كان فيه بعض الايهام يحسنه دفع الضرورة إليه كما حملته وآبائه (ع) على إظهار متابعة الظالمين والقول بإمامتهم ، ولعله (ع) أجاب إلى ولاية العهد للتقية والخوف ، وأنه لم يؤثر الامتناع إلى من ألزمه ذلك وحمله عليه فيفضي الامر إلى المباينة والمجاهرة