يحسن التخيير بين اللذة وما جرى مجرى ما ليس بألم ولا ضرر من الالم الذي يقابله المنافع وليس بعد هذا إلا قول من يوجب فعل اللذة لكونها نفعا ، وهذا مذهب ظاهر البطلان لا حاجة بنا إلى الكلام عليه من هذا الموضوع : فان قيل : ما أنكرتم ما يكون الاستصلاح بالالم إذا كان هناك ما يستصلح به ، وليس بألم يجري في القبيح والعبث مجرى من بذل المال لمن يحتمل عنه ضرب المقارع ، ولا غرض له إلا ايصال المال في ان ذلك عبث قبيح؟. قلنا : أما قبح ما ذكرته فالوجه فيه غير ما ظننته من ان هناك ما يقوم مقامه في الغرض ، لانا قد بينا ان ذلك لو كان هو وجه القبح لكان كل فعل فيه غرض يقوم غيره فيه مقامه عبثا وقبيحا ، وقد علمنا خلاف ذلك. وإنما قبح بذل المال لمن يحتمل الضرب ، والغرض ايصال المال إليه من حيث حسن ان يبتدئ بدفع المال الذي هو الغرض من غير تكلف الضرب ، فصار عبثا وقبيحا من هذا الوجه وليس يمكن مثل ذلك في الالم إذا قابله ما ليس بألم لان ما فيه من العوض لا يمكن الابتداء به.
شعيب عليه السلام
في قول شعيب (ع) استغروا ربكم ثم توبوا : (مسألة) : فان قيل : ما معنى قوله تعالى في الحكاية عن شعيب عليه السلام : (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه) والشئ لا يعطف على نفسه لا سيما بالحرف الذي يقتضي التراخي والمهلة وهو (ثم) وإذا كان الاستغفار هو التوبة فما وجه هذا الكلام؟. (الجواب) : قلنا في هذه الآية وجوه : اولها : ان يكون المعنى اجعلوا المغفرة غرضكم وقصدكم الذى فيه تجئرون ونحوه يتوجهون ، ثم توصلوا إليها بالتوبة إليه ، فالمغفرة أول في الطلب وآخر في السبب. وثانيها : انه لا يمتنع ان يريد بقوله : (استغفروا ربكم) أي اسألوه التوفيق للمغفرة والمعونة عليها ثم توبوا إليه ، لان المسألة للتوفيق ينبغي ان يكون قبل التوبة. وثالثها : انه أراد بثم الواو ، والمعنى استغفروا ربكم