ويكونا بخلاف ذلك. فهما بالاطلاق لا يدلان على الحكمة والحسن. والوصف بالعزيز الحكيم يشتمل على معنى الغفران والرحمة ، وإذا كانا صوابين. ويزيد عليهما باستيفاء معان كثيرة ، لان العزيز هو المنيع القادر الذي لا يذل ولا يضام ، وهذا المعنى لا يفهم من الغفور الرحيم البتة. وأما الحكيم فهو الذي يضع الاشياء مواضعها ويصيب بها اغراضها ، ولا يفعل إلا الحسن الجميل. فالمغفرة والرحمة إذا اقضتهما الحكمة دخلتا في قوله العزيز الحكيم. وزاد معنى هذه اللفظة عليهما من حيث اقتضاء وصفه بالحكمة في سائر افعاله ، وانما طعن بهذا الكلام من الملحدين من لا معرفة له بمعاني الكلام. وإلا فبين ما تضمنه القرآن من اللفظة وبين ما ذكروه فرق ظاهر في البلاغة واستيفاء المعاني والاشتمال عليها:
في تنزيه سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وآله
(مسألة) : فإن قيل فما معنى قوله تعالى : (ووجدك ضالا فهدى) أو ليس هذا يقتضي اطلاقه الضلال عن الدين؟ وذلك مما لا يجوز عندكم قبل النبوة ولا بعدها؟ (الجواب) : قلنا في معنى هذه الآية أجوبة : (اولها) : انه اراد : وجدك ضالا عن النبوة فهداك إليها ، أو عن شريعة الاسلام التي نزلت عليه وأمر بتبليغها إلى الخلق ، وبارشاده صلى الله عليه وآله إلى ما ذكرناه اعظم النعم عليه. والكلام في الآية خارج مخرج الامتنان والتذكير بالنعم ، وليس لاحد ان يقول ان الظاهر بخلاف ذلك ، لانه لابد في الظاهر من تقدير محذوف يتعلق به الضلال ، لان الضلال هو الذهاب والانصراف فلا بد من امر يكون منصرفا عنه. فمن ذهب إلى انه أراد الذهاب عن الدين فلا بد له من ان يقدر هذه اللفظة ثم يحذفها ليتعلق بها لفظ الضلال ، وليس هو بذلك اولى منا فيما قدرناه وحذفناه. (وثانيها) : أن يكون اراد الضلال عن المعيشة وطريق