يجوز ان يقال انه ظلم نفسه من حيث نقصها ذلك الثواب ، وليس يمتنع ان يكون يونس عليه السلام أراد هذا المعنى لانه لا محالة قد ترك كثيرا من المندوب ، فان استيفاء جميع الندب يتعذر ، وهذا اولى مما ذكره من جوز الصغائر على الانبياء عليهم السلام ، لانهم يدعون ان خروجه كان بغير اذن من الله تعالى له. فكان قبيحا صغيرا ، وليس ذلك بواجب على ما ظنوه ، لان ظاهر القرآن لا يقتضيه. وانما اوقعهم في هذه الشبهة قوله (اني كنت من الظالمين). وقد بينا وجه ذلك وانه ليس بواجب ان يكون خبرا عن المعصية ، وليس لهم ان يقولوا كيف يسمى من ترك النفل بأنه ظالم؟ وذلك انا قد بينا وجه هذه التسمية في اللغة وان كان اطلاق اللفظة في العرف لا يقتضيه. وعلى من سأل عن ذلك مثله إذا قيل له كيف يسمي كل من قبل معصية بأنه ظالم؟ وإنما الظلم المعروف هو الضرر المحض الموصل إلى الغير؟ فإذا قالوا ان في المعصية معنى الظلم وان لم يكن ضررا يوصل إلى الغير من حيث نقصت ثواب فاعلها. قلنا : وهذا المعنى يصح في الندب ، على ان يجري ما يستحق من الثواب مجرى المستحق ، وبعد فإن أبا علي الجبائي وكل من وافقه في الامتناع من القول بالموازنة في الاحباط لا يمكنه ان يجيب بهذا الجواب ، فعلى أي وجه يا ليت شعري يجعل معصية يونس (ع) ظلما. وليس فيها من معنى الظلم شئ. وأما قوله تعالى : (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت) فليس على ما ظنه الجهال من انه (ع) ثقل عليه اعباء النبوة لضيق خلقه. فقذفها ، وانما الصحيح أن يونس لم يقو على الصبر على تلك المحنة التي ابتلاه الله تعالى بها وعرضه لنزولها به لغاية الثواب فشكى إلى الله تعالى منها وسأله الفرج والخلاص ، ولو صبر لكان أفضل. فأراد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله افضل المنازل وأعلاها.