لان الفكر لم يكن واجبا عليه. وحين كمل عقله وحركته الخواطر فكر في الشئ الذي كان يراه قبل ذلك ولم يكن مفكرا فيه. والوجه الآخر في اصل المسألة : هو ان ابراهيم عليه السلام لم يقل ما تضمنته الآيات على طريق الشك ، ولا في زمان مهلة النظر والفكر ، بل كان في تلك الحال موقنا عالما بأن ربه تعالى لا يجوز ان يكون بصفة شئ من الكواكب ، وإنما قال ذلك على سبيل الانكار على قومه والتنبيه لهم على أن ما يغيب ويأفل لا يجوز ان يكون إلها معبودا ، ويكون قوله : (هذا ربي) محمولا على أحد وجهين : أي هو كذلك عندكم وعلى مذاهبكم. كما يقول احدنا للمشبه على سبيل الانكار لقوله هذا ربه جسم يتحرك ويسكن. والوجه الآخر : ان يكون قال ذلك مستفهما ، واسقط حرف الاستفهام للاستغناء عنه ، وقد جاء في الشعر ذلك كثيرا : قال الاخطل : كذبتك عينك ام رأيت بواسط * غلس الظلام من الرباب خيالا وقال الآخر : لعمرك ما ادري وان كنت داريا * بسبع رمين الجمر أم بثمان وانشدوا قول الهذلي : وقوني وقالوا يا خويلد لم ترع * فقلت وانكرت الوجوه
يعني أهم هم؟ وقال ابن ابي ربيعة : ثم قالوا تحبها قلت بهرا * عدد الرمل والحصى والتراب فإن قيل : حذف حرف الاستفهام انما يحسن إذا كان في الكلام دلالة عليه وعوض عنه ، وليس تستعمل مع فقد العوض. وما انشدتموه فيه عوض عن حرف الاستفهام المتقدم. والآية ليس فيها ذلك. قلنا قد يحذف حرف الاستفهام مع اثبات العوض عنه ومع فقده إذا زال اللبس في معنى الاستفهام ، وبيت ابن أبي ربيعة خال من حرف الاستفهام ومن العوض عنه. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : (فلا اقتحم العقبة) قال هو أفلا اقتحم العقبة. فألقيت الف الاستفهام. وبعد فإذا جاز ان يلقوا الف الاستفهام لدلالة الخطاب عليها. فهلا جاز أن يلقوها لدلالة العقول عليها ، لان دلالة