وقد قال الله تعالى : (فسمى المعمول فيه عملا. ويقول القائل في الباب انه عمل النجار ، ومما يعمل النجار ، وكذلك في الناسج والصايغ). وههنا مواضع لا يستعمل فيها (ما) مع الفعل الا والمراد بها الاجسام دون الاعراض التي هي فعلنا. لان القائل إذا قال : اعجبني ما تأكل وما تشرب وما تلبس ، لم يجز حمله إلا على المأكول والمشروب والملبوس دون الاكل والشرب واللبس. فصح ان لفظة (ما) فيما ذكرناه أشبه بأن تكون حقيقة ، وفيما ذكروه اشبه بأن تكون مجازا. ولو لم يثبت فيها إلا انها مشتركة بين الامرين ، وحقيقة فيهما ، لكان كافيا في اخراج الظاهر من ايديهم ، وابطال ما تعلقوا به. وليس لهم ان يقولوا أن كل موضع استعملت فيه لفظة (ما) مع الفعل ، واريد بها المفعول فيه ، إنما علم بدليل ، والظاهر بخلافه. وذلك أنه لا فرق بينهم في هذه الدعوى وبين من عكسها ، فادعى ان لفظة (ما) إذا استعملت مع الفعل واريد بها المصدر دون المفعول فيه كانت محمولة على ذلك بالدليل ، وعلى سبيل المجاز. والظاهر بخلافه ، على ان التعليل وتعلق الكلام الثاني بالاول على ما بيناه ايضا ظاهر ، فيجب ان يكون مراعى. وقد بينا ايضا انه متى حمل الكلام على ما ظنوه لم يكن الثاني متعلقا بالاول ولا تعليلا فيه ، والظاهر يقتضي ذلك.فقد صار فيما ادعوه عدول عن الظاهر الذي ذكرناه في معنى الآية ، فلو سلم ما ادعوه من الظاهر في معنى اللفظة معه لتعارضتا ، فكيف وقد بينا أنه غير سليم ولا صحيح؟. وبعد : فإن قوله : (وما تعملون) لا يستقل بالفائدة بنفسه ، ولابد من أن يقدر محذوف ، ويرجع إلى (ما) التي بمعنى (الذي) ، وليس لهم ان يقدروا الهاء ليسلم ما ادعوه بأولى منا إذا قدرنا لفظة فيه ، لان كلا الامرين محذوف ، وليس تقدير احدهما بأولى من الآخر ، إلا بدليل هذا. على انا قد بينا ان مع تقدير الهاء يكون الكلام محتملا لما ذكرناه ، كاحتماله لما ذكروه. ومع تقديرنا