ومنها : أنّ « اهتدى » مطاوع « هدى » والمطاوعة : حصول الأثر عن تعلّق الفعل بالمفعول ، فإنّما الفرق بين الأصل والمطاوع أنّ الأصل تأثير والمطاوع تأثّر والوصول هنا معتبر في المطاوع ، فلابدّ من أن يكون معتبراً في الأصل.
ومنها : نحو قوله تعالى : ( إِنَّكَ لا تَهْدي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراط مُسْتَقيم ). (١)
والحقّ أنّ الاستعمال وارد على كلّ من المعنيين ، فيحتمل أن يكون المعنى الحقيقي هو مجرّد الدلالة إلاّ أنّ التأثير لما لم يعتدّ به إلاّ إذا حصل أثره ، شاع استعماله في التأثير المقارن لحصول الأثر.
ويحتمل أن يكون المعنى الحقيقي هو التأثير المقرون بالأثر إلاّ أنّه استعمل في مجرّد التأثير من باب استعمال لفظ الكلّ في جزئه ، أو تنزيلاً لتأثير الحاصل في ذلك المقام منزلة المقرون بالأثر لقوّته إلاّ أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة إلاّ أن يمنع من ذلك مانع ، فالظاهر أن يكون مشتركاً بين المعنيين.
ثمّ إنّه ربما يستعمل متعدّياً إلى المفعول الثاني ب « إلى » ، كقوله سبحانه : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراط مُسْتَقيم ). (٢)
وقد يستعمل متعدّياً إليه باللاّم كقوله تعالى : ( إِنَّ هذا القُرآن يَهْدِي للَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ). (٣)
وقد يستعمل بلا حرف جرّ ، فقيل : إنّه محذوف كما حذف في نحو قوله تعالى : ( وَاخْتارَ مُوسى قَومَهُ ) (٤) فإنّه بمعنى من قوله أو لقومه.
وقيل : بل هو أيضاً أصل وقد يفرّق بينه وبين الأوّلين في المعنى بأنّه بمعنى
__________________
١ ـ القصص : ٥٦.
٢ ـ الشورى : ٥٢.
٣ ـ الإسراء : ٩.
٤ ـ الأعراف : ١٥٥.