يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاما وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب. وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه سأل جبريل ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف؟ وجد سبعين ثكلى. قال : فما كان له من الأجر؟ قال : أجر مائة شهيد وما ساء ظنه بالله ساعة قط. ونقل أن جبريل عليهالسلام دخل على يوسف حين ما كان في السجن فقال : إن بصر أبيك ذهب من الحزن عليك. فوضع يوسف يده على رأسه وقال : ليت أمي لم تلدني فلم أكن حزنا على أبي ، قال أكثر أهل اللغة : الحزن والحزن لغتان بمعنى. وقال بعضهم : الحزن بالضم فالسكون البكاء ، والحزن بفتحتين ضد الفرح. وقد روى يونس عن أبي عمرو قال : إذا كان في موضع النصب فتحوا كقوله (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً) [التوبة : ٩٢]. وإذا كان في موضع الجر أو الرفع ضموا كقوله من الحزن. وقوله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) قال : هو في موضع رفع بالابتداء. قيل : كيف جاز لنبي الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ؟ وأجيب بأن المنهي من الجزع هو الصياح والنياحة وضرب الخد وشق الثوب لا البكاء ونفثة المصدور ، فلقد بكى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ولده إبراهيم وقال : القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون. ومما يدل على أن يعقوب عليهالسلام أمسك لسانه عن النياحة وعما لا ينبغي قوله : (فَهُوَ كَظِيمٌ) «فعيل» بمعنى «مفعول» أي مملوء من الغيظ على أولاده من غير إظهار ما يسوءهم ، أو مملوء من الحزن مع سد طريق نفثة المصدور من كظم السقاء إذا شده على ملئه ، أو بمعنى الفاعل أي الممسك لحزنه غير مظهر إياه. والحاصل أنه غرق ثلاثة أعضاء شريفة منه في بحر المحنة : فاللسان كان مشغولا بذكر (يا أَسَفى) والعين كانت مستغرقة في البكاء ، والقلب كان مملوءا من الحزن. ومثل هذا إذا لم يكن بالاختيار لم يدخل تحت التكليف فلا يوجب العقاب. يروى أن ملك الموت دخل على يعقوب فقال له : جئتني لتقبضني قبل أن أرى حبيبي؟ قال : لا ولكن جئت لأحزن لحزنك وأشجو لشجوك. عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لم تعط أمة من الأمم (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) عند المصيبة إلا أمة محمد ، ألا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وإنما قال يا أسفا» وضعف هذه الرواية فخر الدين الرازي في تفسيره وقال : من المحال أن لا تعرف أمة من الأمم أن الكل من الله وأن الرجوع لا محالة إليه. وأقول : هذا نوع من المكابرة فإن منكري المبدأ والمعاد أكثر من حصباء الوادي ، على أن المراد من الإعطاء الإرشاد إلى هذا الذكر وخصوصا عند المصيبة وقد أخبر الصادق عليهالسلام أن هذا مما خصت هذه الأمة به والله أعلم. (قالُوا) الأظهر أنهم ليسوا أولاده الذين تولى عنهم وإنما هم جماعة كانوا في الدار من خدمه وأولاد أولاده. (تَاللهِ تَفْتَؤُا) أراد «لا تفتؤ» فحذف حرف النفي