بتأويل البيان والبرهان ، والمراد بالشاهد القرآن ومنه أي من الله أو من القرآن المتقدم ذكره في قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) أي ويتلو ذلك البرهان من قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة حال كونها (إِماماً) أو أعني إماما كتابا مؤتما به في الدين قدوة فيه (وَرَحْمَةً) ونعمة عظيمة على المنزل إليهم. والحاصل أن المعارف اليقينية المكتسبة إما أن يكون طريق اكتسابها بالحجة والبرهان ، وإما أن يكون بالوحي والإلهام ، وإذا اجتمع على بعض المطالب هذان الأمران واعتضد كل واحد منهما بالآخر كان المطلوب أوثق. ثم إذا توافقت كلمة الأنبياء على صحته بلغ المطلوب غاية القوة والوثوق ، ثم إنه حصل في تقرير صحة هذا الدين هذه الأمور الثلاثة جميعا : البينة. وهي الدلائل العقلية اليقينية ، والشاهد وهو القرآن المستفاد من الوحي ، وكتاب موسى المشتمل على الشرائع المتقدمة عليه الصالح لاقتداء الخلف به ، وعند اجتماع هذه الأمور لم يبق لطالب الحق المنصف في صحة هذا الدين شك وارتياب. وقيل : أفمن كان محمد صلىاللهعليهوسلم ، والبينة القرآن ، ويتلوه يقرؤه شاهد هو جبرائيل نزل بأمر الله وقرأ القرآن على محمد أو شاهد من محمد هو لسانه ، أو شاهد هو بعض محمد يعني علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، أو يتلوه أي يعقب ذلك البرهان شاهد من النبي صلىاللهعليهوسلم هو صورته ومخايله ، فإن من نظر إليه بعقله تفرس أنه ليس بمجنون ولا وجهه وجه كذاب ولا كاهن. وقيل : الكائن على البينة هم المؤمنون ، والبينة القرآن ، ويتلوه يعقب القرآن شاهد من الله هو محمد صلىاللهعليهوسلم أو الإنجيل لأنه يعقبه في التصديق والدلالة على المطلوب وإن كان موجودا قبله ، أو ذلك الشاهد كون القرآن واقعا على وجه يعرف المتأمل فيه إعجازه لاشتماله على فنون الفصاحة وصنوف البلاغة إلى غير ذلك من المزايا التي قلما يخبر عنها إلا الذوق السليم. ثم مدح الكائن على البينة بقوله : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالقرآن. ثم أوعد غيرهم بقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ) يعني أهل مكة ومن انحاز معهم كاليهود والنصارى والمجوس (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) في شك (مِنْهُ) من القرآن أو من الموعد ، ولما أبطل بعض عادات الكفرة من شدة حرصهم على الدنيا وذلك قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا) ومن إنكارهم نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وذلك قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) أراد أن يبطل ما كانوا يعتقدون في أصنامهم أنها شفعاء تشفع لهم فقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ). ثم قال : (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ) لم يحمل عليهم العرض لأنهم مخصوصون بالعرض فإن العرض عام ، ولكن فائدة الحمل ترجع إلى المعطوف. أراد أنهم يعرضون فيفضحون بقول الأشهاد. ومعنى عرضهم على ربهم أنهم يعرضون على الأماكن المعدة للحساب. والسؤال أو المراد عرضهم على من