المعتزلة ، وللغاية عند الحكيم ، وإن شئت فقل : للعاقبة. واللام في (النَّاسَ) للجنس المستغرق ظاهرا ففيه دليل على أن دعوته صلىاللهعليهوسلم عامة. ومعنى إخراج النبي صلىاللهعليهوسلم إياهم (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أنه سبحانه جعل إنزال الكتاب عليه ودعوته صلىاللهعليهوسلم إياهم به إلى الحق واسطة لهدايتهم لا مطلقا ولكن (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بتسهيله وتيسيره وكل ميسر لما خلق له. والحاصل أن المراد من الإذن معنى يقتضي ترجيح جانب الوجود على جانب العدم ومتى حصل الرجحان فقد حصل الوجوب عند المحققين ، ولك أن تعبر عن ذلك المعنى بداعية الإيمان. احتج بالآية من قال : إن معرفة الله تعالى لا تمكن إلا بالتعليم الذي عبر عنه بالإخراج من الظلمة إلى النور. وأجيب بأن معنى الإخراج التنبيه ، وأما المعرفة فإنما تحصل من الدليل وقوله (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) بدل من قوله : (إِلَى النُّورِ) بتكرير العامل الجار. وجوز في الكشاف أن يكون على جهة الاستئناف كأنه قيل : إلى أي نور؟ فقيل : إلى صراط العزيز الحميد. وفي ذكر الوصفين تأكيد لحقية الصراط واستنارته لأن العزيز هو القادر الغالب ، والحميد هو الكامل في خصائص الحمد من العلم والغنى وغير ذلك. ولا ريب أن من هذه صفته كان سبيله الذي نهج لعباده مفضيا إلى صلاح حالهم دينا ودنيا ، إذ لا حاجة به إلى ارتكاب عبث أو قبيح. قال بعض العلماء : إنما قدم ذكر العزيز لأن الصحيح أن أول العلم بالله العلم بكونه قادرا غالبا وهو معنى العزيز ، ثم بعد ذلك العلم بكونه عالما والعلم بكونه غنيا عن الحاجات والنقائص وهذا معنى الحميد ، ثم أثنى على نفسه تحقيقا لحقية صراطه وبيانا لتنزهه عن العبث فقال : (اللهِ الَّذِي) مبتدأ وخبر والمبتدأ محذوف تقديره هو الله. ومن قرأ بالجر فعلى أنه عطف بيان للوصفين بناء على أن لفظ (اللهِ) جار مجرى اسم العلم ، وقد سبق هذا البحث مشبعا في تفسير البسملة من سورة الفاتحة. ثم ختم الآية بوعيد من لا يعترف بربوبيته ولا يقر بوحدانيته وذلك قوله : (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ) وهو دعاء عليهم بالهلاك والثبور وكل سوء. قال في الكشاف : وجه اتصال قوله : (مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) بالويل أنهم يولولون من العذاب ويقولون يا ويلاه. (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ) أي يؤثرون ويختارون لأن المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه أن يكون ذلك الشيء عنده أحب من الآخر وذلك أن الإنسان قد يحب الشيء ولكنه يكره كونه محبا له ، أما إذا أحب الشيء وطلب كونه محبا له وأحب تلك المحبة فتلك نهاية المحبة وهذا شأن محبة أهل الدنيا للدنيا ولكنها أدنى مراتب الضلال. وقوله : (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) إشارة إلى الضلال. وقوله : (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أراد به الإضلال بإلقاء الشكوك والشبهات ، واجتماع هذه الخصال نهاية الضلال فلهذا وصف ضلالهم بالبعد عن