الأشاعرة : لو لم يكن الإيمان والكفر بخلق الله تعالى لم يكن لالتماس التبعيد عن الكفر معنى. وحمله المعتزلة على منح الألطاف.
أما قوله : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً) فاتفقوا على أن نسبة الإضلال إليهن مجاز لأنهن جمادات فهو كقولهم «فتنتهم الدنيا وغرتهم» أي صارت سببا للفتنة والاغترار بها (فَمَنْ تَبِعَنِي) بقي على الملة الحنيفية (فَإِنَّهُ مِنِّي) أي هو بعضي لفرط اختصاصه بي (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال السدي : معناه ومن عصاني ثم تاب. وقيل : إن هذا الدعاء كان قبل أن يعلم أن الله لا يغفر الشرك. وقيل : المراد أنك قادر على أن تغفر له وترحمه بأن تنقله من الكفر إلى الإسلام. وقيل : أراد أن يمهلهم حتى يتوبوا. وقيل : ومن عصاني فيما دون الشرك فاستدل الأشاعرة بإطلاقه من غير اشتراط التوبة على أنه شفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر ، وإذا ثبت هذا في حق إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ثبت في حق نبينا بالطريق الأولى. ثم أراد أن يعطف الله بدعائه قلوب الناس كلهم أو جلهم على إسماعيل ومن ولد منه بمكة وأن يرزقهم من الثمرات فمهد لذلك مقدمة فقال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) أي بعضهم (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) أي لم يكن فيه شيء من زرع قط كقوله : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) [الزمر : ٢٨] أي لا اعوجاج فيه أصلا ولم يوجد ذلك فيه في زمن من الأزمان. وقد سبق في سورة البقرة قصة مجيء إبراهيم صلىاللهعليهوسلم بإسماعيل وأمه هاجر إلى هنالك. وفي قوله : عند بيتك الحرام دليل على أنه دعا هذه الدعوة بعد بناء البيت لا في حين مجيئه بهما. ومعنى كون البيت محرما أن الله حرم التعرض له والتهاون به وجعل ما حوله حرما لأجل حرمته ، وأنه لم يزل ممتنعا عزيزا يهابه كل جبار كالشيء المحرم الذي حقه أن يجتنب. وقيل : سمي محرما لأنه حرم على الطوفان أي منع منه كما سمي عتيقا لأنه أعتق منه فلم يستول عليه ، أو حرم على المكلفين أن يقربوه بالدماء والأقذار ، أو لأنه أمر الصائرون إليه يحرموا على أنفسهم أشياء كانت تحل لهم من قبل (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي ما أسكنتهم بهذا الوادي القفر إلا لإقامة الصلاة عند البيت وعمارته بالذكر والطواف. (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) «من» للتبعيض أي أفئدة من أفئدة الناس. قال مجاهد : لو قال أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم والترك والهند. وعن سعيد بن جبير : لو قال أفئدة الناس لحجه اليهود والنصارى والمجوس ولكنه أراد أفئدة المسلمين. وجوز في الكشاف أن يكون «من» للابتداء كقولك «القلب مني سقيم». وعلى هذا فإنما يحصل التبعيض من تنكير أفئدة فكأنه قيل : أفئدة ناس. ومعنى (تَهْوِي) تسرع (إِلَيْهِمْ) وتطير نحوهم شوقا ونزاعا. وقيل : تنحط وتنحدر. الأصمعي : هوى يهوي هويا