بفتح الهاء إذا سقط من علو إلى سفل وفي هذا الدعاء فائدتان : إحداهما ميل الناس إلى تلك البلدة للنسك والطاعة ، والأخرى نقل الأقمشة إليهم للتجارة ، وفي ضمن ذلك تتسع معايشهم وتكثر أرزاقهم ومع ذلك قد صرح بها فقال : (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) فلا جرم أجاب الله دعاءه فجعله حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء. وقيل : أراد أن يحصل حواليها القرى والمزارع والبساتين. ثم ختم الآية بقوله : (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) ليعلم أن المقصود الأصلي من منافع الدنيا وسعة الرزق هو التفرغ لأداء العبادات وإقامة الوظائف الشرعية.
ثم أثنى على الله سبحانه تمهيدا لدعوة أخرى وتعريضا ببقية الحاجات فقال : (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) على الإطلاق لأن الغيب والشهادة بالإضافة إلى العالم بالذات سيان. وقيل : ما نخفي من الوجد بسبب الفرقة بيني وبين إسماعيل ، وما نعلن من البكاء والدعاء ، أو أراد ما جرى بينه وبين هاجر حين قالت له عند الوداع : إلى من تكلنا؟ قال : إلى الله أكلكم. قال المفسرون : (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) من كلام الله عزوجل تصديقا لإبراهيم ، ويحتمل أن يكون من كلام إبراهيم. و «من» للاستغراق أي لا يخفى على الذي يستحق العبادة لذاته شيء ما في أيّ مكان يفرض. (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) أي مع كبر السن وفي حال الشيخوخة (إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) ذكر أوّلا كونه تعالى عالما بالضمائر والسرائر ، ثم حمده على هذه الموهبة لأن المنة بهبة الولد في حال وقوع اليأس من الولادة أعظم لأنها تنتهي إلى حد الخوارق فكأنه رمز إلى أنه يطلب من الله سبحانه أن يبقيهما بعده ولهذا ختم الآية بقوله : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) وهو من إضافة الصفة إلى مفعولها أي مجيب الدعاء ، أو إلى فاعلها بأن يجعل دعاء الله سميعا على الإسناد المجازي ، والمراد سماع الله تعالى ، ويحتمل أن يكون قوله : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) رمزا إلى ما كان قد دعا ربه وسأله الولد بقوله : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات : ١٠٠] روي أن إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة ، وولد له إسحق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة. وقيل : إسماعيل لأربع وستين ، وإسحق لتسعين. وعن سعيد بن جبير : لم يولد لإبراهيم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة.
ثم ختم الأدعية بقوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) أي مديمها (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أي واجعل بعض ذريتي كذلك لم يدع للكل لأنه علم بإعلام الله تعالى أنه يكون في ذريته كفار وذلك قوله سبحانه (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤] ربنا وتقبل دعائي عن