ابن عباس : أي عبادتي ، وحمله على تقبله الأدعية السابقة في الآية غير بعيد (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي) طلب المغفرة لا يوجب سابقة الذنب لأن مثل هذا إنما يصدر عن الأنبياء والأولياء في مقام الخوف والدهشة على أن ترك الأولى لا يمتنع منهم وحسنات الأبرار سيئات المقربين. أما قوله : (وَلِوالِدَيَ) فاعترض عليه بأنه كيف استغفر لأبويه وهما كافران؟ وأجيب بأنه قال ذلك بشرط الإسلام ، وزيف بأن قوله تعالى : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) [الممتحنة : ٤] مستثنى من الأشياء التي يؤتسى فيها بإبراهيم ، ولو كان استغفاره مشروطا بإسلام أبيه لكان استغفارا صحيحا فلم يحتج إلى الاستثناء. وقيل : أراد بوالديه آدم وحواء والصحيح في الجواب أنه استغفر له بناء على الجواز العقلي والمنع التوفيقي بعد ذلك لا ينافيه (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) أي يثبت مستعار من قيام القائم على الرجل ومثله قولهم «قامت الحرب على ساقها» أو أسند إلى الحساب قيام أهله إسنادا مجازيا ، أو المضاف محذوف مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢]. ثم عاد إلى بيان الجزاء والمعاد لأن دعاء إبراهيم صلىاللهعليهوسلم قد انجر إلى ذكر الحساب فقال : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) إن كان الخطاب لكل مكلف أو للنبي والمراد أمته فلا إشكال ، وإن كان للنبي صلىاللهعليهوسلم فمعناه التثبت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله إلا عالما بجميع المعلومات ، أو المراد ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يقولون ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير. وعن ابن عيينة : تسلية للمظلوم وتهديد للظالم. قلت : لأنه لو لم ينتقم للمظلوم من الظالم لزم أن يكون غافلا عن الظلم أو عاجزا عن الانتقام أو راضيا بالظلم وكل ذلك مناف لوجوب الوجود المستلزم لجميع الكمالات (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) أي أبصارهم كقوله : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ) [مريم : ٤] شخص بصر الرجل إذا بقيت عينه مفتوحة لا تطرف وذلك إنما يكون عند غاية الحيرة وسقوط القوة (مُهْطِعِينَ) مسرعين قاله أبو عبيدة. والغالب من حال من يبقى بصره شاخصا من شدة الخوف أن يبقى واقفا ، فبين الله تعالى أن حالهم بخلاف هذا المعتاد لأنهم مع شخوص أبصارهم يكونون مسرعين نحو ذلك البلاء. وقال أحمد بن يحيى : المهطع الذي ينظر في ذل وخضوع. وقيل : هو الساكت (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) رافعيها وهذا أيضا بخلاف المعتاد لأن الغالب ممن يشاهد البلاء أنه يطرق رأسه لكيلا يراه (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) الطرف تحريك الأجفان على الوجه الذي خلق وجبل عليه. وسمى العين بالطرف تسمية بفعلها أي لا يرجع إليهم أن يطرفوا بعيونهم ، والمراد دوام الشخوص المذكور. وقيل : أي لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) والهواء الخلاء الذي يشغله الأجرام. وصف قلب الجبان به لأنه لا قوة فيه ، ويقال للأحمق أيضا قلبه هواء. والمعنى