لحظة بعد استيفاء أسباب هلاكها (وَقالُوا) يعني النفوس المتمردة مخاطبا للقلب الذاكر (لَوْ ما تَأْتِينا) بصفات الملائكة المنقادين ، وفيه إشارة إلى أن النفس الأمارة لا تؤمن بما أنزل الله إلى القلوب من أنوار الإلهية حتى تصير مطمئنة مستعدة لهذه الصفات ، ولو أنزلت قبل أوانها وكمال استعداد القلوب ما كانوا إذا منظرين مؤخرين من الهلاك لضيق نطاق طاقتهم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا) كلمة لا إله إلا الله في قلوب المؤمنين (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) [المجادلة : ٢٢] والمنافق يقول ذلك ولكن لم ينزل في قلبه ولم يحفظ. (وَلَوْ فَتَحْنا) على من أسلكنا الكفر في قلوبهم (باباً مِنَ) سماء القلب لأنكروا فتح الباب. ولقد جعلنا في سماء القلب بروج الأطوار ، فكما أن البروج منازل السيارات فكذلك الأطوار منازل شموس المشاهدات وأقمار المكاشفات وسيارات اللوامع والطوالع (وَزَيَّنَّاها) لأهل النظر السائرين إلى الله (وَحَفِظْناها مِنْ) وساوس الشيطان وهواجس النفس الأمارة ، ولكن من استرق السمع من النفس والشيطان فأدركه شعلة من أنوار تلك الشواهد فيضمحل الباطل ويتبين الحق (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) فيه أن أرض البشرية تميل كنفس الحيوانات إلى أن أرساها الله بجبال العقل وصفات القلب (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) هي أسباب الوصول والوصال (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) وهو جوهر المحبة وإن غذاءه من مواهب الحق وتجلي جماله فقط. ولكل شيء خزانة فلصورة الأجسام خزانة ، ولاسمها خزانة ، ولمعناها خزانة ، وكذا للونها ولطعمها ولخواصها من المنافع والمضار ، وكذا لظلمتها ونورها ولملكها وملكوتها ، وما من شيء إلا وفيه لطف الله وقهره مخزون ، وقلوب العباد خزائن صفات الله تعالى بأجمعها (وَأَرْسَلْنَا) رياح العناية (لَواقِحَ) لأشجار القلوب بأنهار الكشوف وبأثمار الشواهد كما قال بعضهم : إذا هبت رياح الكرم على أسرار العارفين أعتقهم من هواجس أنفسهم ورعونات طبائعهم ، وظهر في القلوب نتائج ذلك وهي الاعتصام بالله والاعتماد عليه. (فَأَنْزَلْنا مِنَ) سماء الهداية (ماءً) الحكمة (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) في أصل الخلقة فإن المخلوق لا يوصف بالحكمة إلا مجازا. وإنا لنحن نحيي قلوب أوليائنا بأنوار جمالنا ، ونميت نفوسهم بسطوة جلالنا (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) بعد إفناء وجودهم ليبقوا ببقائنا (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ) يحشر المستقدمين إلى حظائر قدسه والمستأخرين إلى أسفل سافلين الطبيعة ، خاطب إبليس النفس بقوله : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) أي إلى أن تطلع شمس شواهدنا من مشرق الروح وتصير أرض النفس مشرقة وتتبدل صفاتها الذميمة المظلمة بالأخلاق الروحانية الحميدة (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي يبعث الأرواح في قيامة العشق وهو الوقت المعلوم الذي يتجلى الرب فيه لأرواح العشاق ،