فينعكس نور التجلي من الأرواح إلى النفوس فتجعلها مطمئنة. (بِما أَغْوَيْتَنِي) أضللتني من طريق الأمارية (لَأُزَيِّنَنَ) للأرواح في أرض البشرية من الأعمال الصالحات التي تورث الأخلاق الحميدة وبها تربية الأرواح وترقيها (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) عما كانوا عليه من الأعمال الروحانية الملكية التي لا تتأتى إلا لعبادك الذين خلصوا من حبس الوجود بجذبات الألطاف. (هذا صِراطٌ) أي هو طريق أهل الاستقامة في السير في الله المنقطعين عن غيره (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) حجة تتعلق بتلك الحجة لهدايتهم وإغوائهم فإنهم بلاهم ، وإن من خصوصية العبودية المضافة إلى الحضرة الحرية عما سواه (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) من الحرص والشره والحقد والحسد والغضب والشهوة والكبر ، أو الأبواب السبعة إشارة إلى الحواس الخمس الظاهرة وإلى الوهم والخيال فإنهما أصلا الحواس الباطنية ، لأن الأول يدرك المعاني والثاني يدرك الصور ، والباقية ـ أعني المفكرة والحافظة والذاكرة ـ من أعوانهما ، وأكثر ما يستعمل الإنسان هذه المشاعر إنما يستعملها في الأحوال الدنيوية المفضية إلى الهلاك ، فلا جرم صارت أبوابا لجهنم. فإذا استعملها في تحصيل السعادات الباقية بحسب تصرف العقل الغريزي صرن مع العقل أبوابا بل أسبابا لحصول الجنة. (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) والسلام من الله الجذبات (آمِنِينَ) من موانع الخروج والدخول بعد الوصول فإن السير في الله لا يمكن إلا بالله وجذباته ولهذا قال جبرائيل ليلة المعراج : لو دنوت أنملة لاحترقت. (وَنَزَعْنا) فيه أن نزع الغل من الصدور لا يكون إلا بنزع الله ، وأن الأرواح القدسية مطهرات عن علائق القوى الشهوانية والغضبية مبرءات من حوادث الوهم والخيال ، ومعنى تقابلهم أن النفوس المصفاة عن كدورات عالم الأجسام ونوازع الخيال والأوهام إذا وقع عليها أنوار جمال الله أو جلاله انعكست منها إلى من في مثل درجاتها كما تتعاكس المرايا الصافية ، المتحاذية ، فيزداد كل منها في نفسها بخفاء صفاتها. وفي قوله : (نَبِّئْ عِبادِي) إشارة إلى أن سلوك السالكين وطير الطائرين يجب أن يكون على قدمي الرجاء والخوف وجناحي الإنس والجن والله الموفق للصواب.
(وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠) فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤)