المعتاد ممتنعا فبأي طريق تبشرونني بالولد ، فلذلك قالوا في جوابه (بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) أي باليقين الذي لا لبس فيه ، أو بشرناك بالولد بطريق هو حق وذلك قول الله تعالى ووعده وأنه قادر على خلق الولد من غير أبوين فضلا من شيخ فان وعجوز عاقر. قال أبو حاتم : حذف نافع ياء المتكلم مع النون وإسقاط الحرفين لا يجوز. وأجيب بأنه لم يحذف إلا الياء اكتفاء بالكسرة ونون الوقاية لم يوردها كما أوردت في قراءة التشديد ، وإنما كسر نون الجمع لأجل الياء وكلتا اللغتين فصيحة. قيل : عظم فرحه بتلك البشارة فدهش عن الجواب المنتظم فتكلم بالكلام المضطرب. وقيل : طلب مزيد الطمأنينة كقوله : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠] عن ابن عباس : يريد بالحق ما قضى الله أن يخرج من صلب إبراهيم إسحق ومن صلب إسحق أكثر الأنبياء. وقوله : (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) لا يدل على أنه كان قانطا فقد ينهى عن الشيء ابتداء كقوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) [الأحزاب : ٤٨]. ولذلك أنكر إبراهيم نهيهم بقول : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) أي المخطئون طريق الصواب أو الكافرون نظيره (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧] وفيه أنه لم يستنكر ذلك قنوطا من رحمته ولكن استبعادا له في العادة التي أجراها الله هما لغتان : قنط يقنط مثل ضرب يضرب ، وقنط يقنط مثل علم يعلم. وزعم الفارسي أن الأولى أعلى اللغتين. ثم سأل عما لأجله أرسلهم الله حيث قال : (فَما خَطْبُكُمْ) والخطب الشأن العظيم. فسئل أنهم لما بشروه بالولد الذكر العليم فما وجه السؤال عن مجيئهم؟ وأجاب الأصم بأن المراد ما الأمر الذي وجهتم فيه سوى البشرى؟. وقال القاضي : إنه علم أن المقصود لو كان التبشير فقط لكان الملك الواحد كافيا. وقيل : علم أنه لو كان تمام الغرض البشارة لذكروها أول ما دخلوا قبل أن يوجس إبراهيم منهم خيفة. قلت : لعله استصغر أمر التبشير إما لأجل التواضع وإما لأنه واقعة خاصة فسألهم عن الأمر الذي هو أعظم من ذلك وأعم تعظيما لشأنهم (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا) زعم صاحب الكشاف أن الإرسال هاهنا في معنى التعذيب والإهلاك كإرسال الحجر أو السهم إلى المرمى. وأقول : كأنه لا حاجة إلى هذا التجوز لقوله في سورة الذاريات (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) [الآيتان : ٣٢ ، ٣٣] فالتقدير إنا أرسلنا إليهم لنهلكهم (إِلَّا آلَ لُوطٍ) وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا لاختلاف الجنسين ، فإن القوم موصوفون بالإجرام دون آل لوط. يكون قوله : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) جاريا مجرى خبر «لكن» كأنه قيل : لكن قوم لوط منجون ، ويكون قوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ) استثناء من الاستثناء أي أرسلنا إليهم لنهلكهم إلا آل لوط (إِلَّا امْرَأَتَهُ) كقول المقر : لفلان علي عشرة إلا ثلاثة إلا واحدا ، وجوز في الكشاف