سبحانه خاطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأقسم بحياته صلىاللهعليهوسلم كرامة له صلىاللهعليهوسلم وما أقسم بحياة أحد قط وذلك يدل على أنه أكرم الخلق على الله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) داخلين في الشروق وهو بزوغ الشمس كان ابتداء العذاب من أول الصبح لقوله : (مُصْبِحِينَ) أليس الصبح بقريب؟ وغلبته كانت عند طلوع الشمس قال المفسرون : هي صيحة جبرائيل. قلت : ويحتمل أن تكون صيحة قلب المدائن وإرسال الحجارة عليهم. قال بعض المفسرين : إنما قال : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) وفي سورة هود (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها) [الآية : ٨٢] لأنه أراد هاهنا من شذ من القرية منهم. وقيل : سبب تخصيص هذه السورة بجمع المذكر هو بناء القصة على قوله : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) للمتفرسين. وحقيقة التوسم التثبت في النظر حتى يعرف حقيقة سمة الشيء فعبر به عن التأمل والتفكر (وَإِنَّها) يعني تلك القرى وآثارها (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) ثابت يسلكه الناس المارة من الحجاز إلى الشام يشاهدون آثار قهر الله وغضبه هنالك. قال بعضهم : إنما جمع الآيات في قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) لأنه أشار إلى ما تقدم عن ضيف إبراهيم وقصة لوط وقلب المدينة وإمطار الحجارة عليها وعلى من غاب منهم. وقال في الثانية (وَإِنَّها) أي القرية (لَبِسَبِيلٍ) وهذه واحدة من تلك الآيات فلذلك قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) وقيل : ما جاء من القرآن من الآيات فلجمع الدلائل ، وما جاء من الآية فلوحدانية المدلول عليه ، فلما ذكر عقيبه المؤمنين وهم مقرون بوحدانيته وحد الآية نظيره في «العنكبوت» (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) [الآية : ٤٤].
ثم أجمل قصة قوم شعيب فقال : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ) «إن» مخففة من الثقيلة ولذلك دخلت اللام الفارقة في خبرها. كانوا أصحاب غياض ومواضع ذات شجر فنسبوا إليها. والأيكة الشجر الملتف ، والضمير في قوله : (وَإِنَّهُما) يعود إلى قرى قوم لوط وإلى الأيكة. وقيل : بل إلى الأيكة ومدين لأن شعيبا كان مبعوثا إليهما فدل بذكر أحد الموضعين هاهنا ـ وهو الأيكة ـ على الآخر (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) لبطريق واضح. قال الفراء والزجاج : سمي الطريق إماما لأنه يؤم ويتبع. وقال ابن قتيبة : لأن المسافر يأتم به حتى يصير إلى الموضع الذي يريده. ثم ختم القصص بقصة ثمود فقال : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) وهو واد بين الشام والمدينة. وجمع المرسلين لأن تكذيب نبي واحد ـ وهو صالح ـ كتكذيب جميع الأنبياء ، أو لأن القوم كانوا براهمة منكرين لكل الرسل ، أو أراد صالحا ومن معه من المؤمنين. (وَآتَيْناهُمْ) أي أعطينا رسولهم (آياتِنا) أراد الناقة وكانت فيها آيات خروجها من الصخرة وعظم خلقها وكثرة لبنها إلى غير ذلك كما حكينا