يكون الضرر مشروعا على وجه يقع جزاء عن جرم سابق والآية لا تنافي ذلك لأنها لا تدل إلا على أنه سبحانه لا يؤاخذ بكل ظلم. أما على أنه لا يؤاخذ ببعض أنواع الظلم فلا ، دليله قوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى : ٣٠] ومنهم من قال : بناء على القاعدة المذكورة إن كل ما يريده الإنسان وجب أن يكون مشروعا في حقه لأن المنع منه ضرر والضرر غير مشروع ، وكل ما يكرهه الإنسان لزم أن يكون محرما لأن وجوده ضرر وأنه غير مشروع. فالذي يتمسك به في إثبات الأحكام من القياس إما أن يكون على وفق هذه القاعدة أو على خلافها والأول باطل ، لأن هذا الأصل يغني عنه ، وكذا الثاني لأن النص راجح على القياس. ولقائل أن يقول : توارد الأدلة على المدلول الواحد غير ممتنع. أما قوله : (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فعن ابن عباس في رواية عطاء أنه يريد أجل القيامة لأن معظم العذاب يوافيهم يومئذ. وقيل : أراد منتهى العمر لأن المشركين يؤاخذون بالذنوب إذا خرجوا من الدنيا ، وباقي الآية قد مر تفسيرها في أوائل سورة الأعراف.
واعلم أنه سبحانه قال في هذه السورة (ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) وفي سورة الملائكة (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) [فاطر : ٤٥] فالهاء كناية عن الأرض ولم يتقدم ذكرها هاهنا والعرب تجوّز ذلك في كلمات لحصولها بين يدي كل متكلم وسامع منها الأرض والسماء : «فلان أفضل من عليها وأكرم من تحتها» ، ومنها الغداة «إنها اليوم لباردة». ومنها الأصابع يقول : «والذي شقهن خمسا من واحدة» يعني الأصابع من اليد. وإنما لم يذكر الظهر في هذه السورة لئلا يلتبس بظهر الدابة فكثيرا ما يستعمل الظهر بمعنى الدابة بخلاف سورة «الملائكة» فإنه قد تقدم ذكر الأرض في قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) [الآية : ٤٤] وفي قوله : (وَلا فِي الْأَرْضِ) [الآية : ٤٤] فلم يكن ملتبسا. ويمكن أن يقال : لما قال هاهنا (بِظُلْمِهِمْ) لم يقل : (عَلى ظَهْرِها) وحين قال هنالك (بِما كَسَبُوا) قال : (عَلى ظَهْرِها) احترازا عن الجمع بين الظاءين لأنها تقل في الكلام وليست لأمة من الأمم سوى العرب ، فلم يجمع بينهما في شرطية واحدة. ثم عاد إلى حكاية كلمتهم الحمقاء فقال : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) لأنفسهم من البنات ولا يبعد أن يندرج فيه سائر ما يكرهون من الشركاء في الرياسة ومن الاستخفاف والتهاون برسلهم ورسالتهم ، وأنهم يجعلون أرذل أموالهم لله وأكرمها للأصنام. عن بعضهم أنه قال لرجل من ذوي اليسار كيف تكون يوم القيامة إذا قال الله تعالى هاتوا ما دفع إلى السلاطين وأعوانهم فيؤتى بالدواب والثياب وأنواع الأموال الفاخرة ، وإذا قال هاتوا ما دفع إليّ فيؤتى بالكسر والخرق