وما لا يؤبه له ، أما تستحيي من ذلك الموقف؟ ثم قال : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) قال الفراء والزجاج : أبدل منه قوله : (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) عن مجاهد أن الحسنى البنون كانت قريش يقولون لله البنات ولنا البنون. وقال غيره : هي الجنة أي إنهم مع جعلهم لله ما يكرهون حكموا لأنفسهم بالجنة والثواب من الله ، وأنهم يفوزون برضوان الله بسبب هذا القول زعما منهم أنهم على الدين الحق والمذهب الحسن. وكيف يحكمون بذلك وكانوا منكرين للقيامة؟ الجواب أنه كان فيهم من يقر بالبعث ولذلك كانوا يربطون البعير على قبر الميت ويتركونه إلى أن يموت ظنا منهم أن الميت إذا حشر فإنه يحشر معه مركوبه ، وبتقدير أنهم كانوا منكرين فلعلهم قالوا إن كان محمد صلىاللهعليهوسلم صادقا في دعوى الحشر والقيامة فإنه يحصل لنا الجنة والثواب بسبب هذا الدين الحق الذي نحن عليه نظيره (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) [فصلت : ٥٠]. ومن الناس من رجح هذا القول لأنه تعالى ردّ عليهم بعد ذلك بقوله : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) قال الزجاج : لا ردّ لقولهم أي ليس الأمر كما وصفوا. جرم أي كسب ذلك القول أن لهم النار فـ «أنّ» مع ما بعده في محل النصب لوقوع الكسب عليه. وقال قطرب : «أن» في موضع رفع والمعنى حق أن لهم النار (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) من قرأ بكسر الراء المخففة فهو من الإفراط في المعاصي وفي الافتراء على الله. وجوّز أبو علي الفارسي أن يكون من أفرط أي صار ذا فرط مثل أجرب أي صار ذا جرب ، ومن قرأ بفتحها مخففة فهو من أفرطت فلانا خلفي إذا خلفته ونسيته ، فالمعنى أنهم متروكون في النار منسيون. ومن قرأ بكسر الراء المشددة فهو من التفريط في الطاعات. وقرىء بفتح الراء المشددة من فرّطته في طلب الماء إذا قدمته وجاء أفرطته بمعناه أيضا ، فالمراد أنهم مقدمون إلى النار معجلون إليها.
ثم بين سبحانه أن مثل صنيع قريش قد صدر عن سائر الأمم فقال : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) أي رسلا (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) قالت المعتزلة : لو كان خالق الأعمال هو الله تعالى فما معنى تزيين الشيطان ، ومن أي وجه توجه عليه الذم ، وأن خالق ذلك العمل أجدر بأن يكون وليا لهم من الداعي إليه؟ وأجيب بأن الوسائط معتبرة وانتهاء الكل إليه ضروري. قال جار الله : (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) حكاية الحال الماضية التي كان يزين لهم الشيطان أعمالهم فيها ، والمراد فهو وليهم أي قرينهم في الدنيا فجعل اليوم عبارة عن زمان الدنيا أو اليوم عبارة عن يوم الآخرة الذي يعذبون فيه في النار ، فهو حكاية للحال الآتية. والولي الناصر أي هو ناصرهم يوم القيامة فقط ، والمراد نفي الناصر عنهم على أبلغ الوجوه لأن الشيطان لا يتصوّر منه النصرة أصلا ، وإذا كان الناصر منحصرا فيه