عندهم شيئا من الرزق وإنما ذلك رزقي لهم أجريته لهم على أيديهم. وثانيهما أن المراد الرد على من أثبت لله شريكا كالصنم أو كعيسى ، فضرب له مثلا فقال : أنتم لا تسوّون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم ولا تردّون رزقكم عليهم حتى تتساووا في المطعم والملبس. فالفاء في قوله : (فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) للتعليل. ولك أن تقول بمعنى «حتى» أي حتى يكون عبيدهم معهم سواء في الرزق ، فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء؟! عن أبي ذر رضياللهعنه أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في العبيد : «إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تطعمون» (١). فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ) وهي أنه جعلهم موالي مفضلين لا عبيدا مفضولين (يَجْحَدُونَ) أو جعل عدم التسوية بينهم وبين عبيدهم من جملة جحود النعمة ، أو جعل اعتقاد أهلية العبادة لغير الله كفرا بنعمة الله والجحود في معنى الكفران فلذلك عداه بالباء. قال أبو عبيدة وأبو حاتم : قراءة الغيبة ـ وهي الكثرى ـ أولى لقرب المخبر عنه ، ولأنه لو كان خطابا كان ظاهره للمسلمين وإنهم لا يخاطبون بجحد نعمة البتة. الحالة الأخرى من أحوال الإنسان قوله عم طوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي من جنسكم (أَزْواجاً) ليكون الأنس به أتم. ولا ريب أن تخليق الذكور والإناث مستند إلى قدرة الله وتكوينه. والطبيعيون قد يذكرون له وجها قالوا : إن المني إذا انصب من الخصية اليمنى إلى الذكر ثم انصب منه إلى الجانب الأيمن من الرحم كان الولد ذكرا تاما في الذكورة بناء على أن الذكر أسخن مزاجا وكذا الجانب الأيمن ، وإن انصب من الخصية اليسرى إلى الجانب الأيسر من الرحم كان الولد تاما في الأنوثية ، وإذا انصب من اليمنى إلى الأيسر كان ذكرا في طبيعة الإناث ، وإن كان بالعكس كان بالعكس. قال الإمام فخر الدين الرازي : هذه العلة ضعيفة فقد رأينا في النساء من كان مزاجه في غاية السخونة وفي الرجال من كان في غاية البرودة. ولقائل أن يقول : الكلام في المزاج الصنفي لا في المزاج الشخصي ، وهذا الإمام لم يفرق بينهما فاعترض بأحدهما على الآخر. (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) أصل الحفد الإسراع في الخدمة. والفاعل حافد والجمع حفدة. فقيل : أراد بها في الآية الأختان على البنات. وقيل : أولاد الأولاد. وقيل : أولاد المرأة من الزوج الأوّل. وقيل : الخدم والأعوان. وقيل : البنون أنفسهم الجامعون بين
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الإيمان باب : ٢٢. مسلم في كتاب الأيمان حديث : ٣٨. أبو داود في كتاب الأدب باب : ١٢٤. الترمذي في كتاب البر باب : ٢٩. ابن ماجه في كتاب الأدب باب : ٩. أحمد في مسنده (٥ / ٥٨).