الأمرين البنوّة والخدمة. وقيل : الأولى دخول الكل فيه. ثم ذكر إنعامه عليهم بالمطعومات الطيبة لأن لذة المنكوح لا تهنأ إلا بعد الفراغ من لذة المطعوم أو بعد الفراغ من تحصيل أسبابها ، وأورد «من» التبعيضية لأن لذة كل الطيبات لا تكون إلا في الجنة. ثم ختم الآية بقوله : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) فقيل : الباطل هو ما اعتقدوه من منفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها ونعمة الله ما عدده في الآيات السابقة. وقيل : الباطل ما زين لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما ، ونعمة الله ما أحل لهم. وإنما قال هاهنا : (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) وفي آخر «العنكبوت» (وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) [الآية : ٦٧]. لأن تلك الآيات استمرت على الغيبة فلم يحتج إلى زيادة ضمير الغائب ، وأما في الآية فقد سبق مخاطبات كثيرة فلم يكن بد من ضمير الغائب المؤكد لئلا يلتبس بالخطاب.
ولما عدّد بعض الآيات الدالة على الإقرار بالتوحيد أنكر صنيع أهل الشرك عليهم قائلا (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً). قال جار الله : إن كان بمعنى المصدر نصبت به شيئا أي لا يملك أن يرزق شيئا ، وإن أردت المرزوق كان شيئا بدلا منه بمعنى قليلا أو يكون تأكيدا للا يملك أي لا يملك شيئا من الملك. و (مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) صلة للرزق إن كان مصدرا بمعنى لا يرزق من السموات مطرا ولا من الأرض نباتا وصفة إن كان اسما لما يرزق. أما الضمير في (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) فعائد إلى ما بعد أن قيل لا يملك على اللفظ المفرد وجمع بالواو والنون بناء على زعمهم أن الأصنام آلهة. والفائدة في نفي الاستطاعة عنهم أن من لا يملك شيئا قد يكون موصوفا باستطاعة أن يتملك بطريق من الطرق ، فبيّن تعالى أنها لا تملك ولا تستطيع تحصيل الملك. وجوّز في الكشاف أن يكون الضمير للكفار أي لا يستطيع هؤلاء مع أنهم أحياء متصرفون فكيف بالجماد الذي لا حس له؟ (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) أي لا تشبهوه بخلقه فإن ضارب المثل مشبه حالا بحال وقصة بقصة. وقال الزجاج : لا تجعلوا لله مثلا لأنه واحد لا مثل له. وكانوا يقولون إن إله العالم أجل من أن يعبده الواحد منا فكانوا يتوسلون إلى الأصنام والكواكب ، كما أن أصاغر الناس يخدمون أكابر حضرة الملك ، وأولئك الأكابر يخدمون الملك فنهوا عن غير الحنيفية والإخلاص. وعلل النهي بقوله : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) ما عليكم من العقاب (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ما في عبادتها من العذاب. وفيه أن القياس الذي توهموه ليس بصحيح والنص يجب تقديمه على ذلك. وقيل : إن الله يعلم كيف يضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون. ثم علمهم كيف تضرب فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) ثم أبدل من المثل قوله : (عَبْداً مَمْلُوكاً) لا حرا فإن جميع الناس عبيد لله فلا يلزم من كونه عبدا كونه مملوكا. وقوله : (لا يَقْدِرُ عَلى