يحالفون الحلفاء ثم يجدون من كان أعز منهم وأشرف فينقضون حلف الأولين ويحالفون الذين هم أعز وأمنع. (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) أي بما يأمركم وينهاكم. وقد تقدم ذكر الأمر والنهي. وقال جار الله : الضمير لقوله : (أَنْ تَكُونَ) لأنه في معنى المصدر أي يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء مع قلة المؤمنين وفقرهم أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم.
ثم حذرهم من مخالفة ملة الإسلام وأنذرهم بقوله : (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بإظهار الدرجات والكرامات للأولياء وتعيين الدركات والبليات للأشقياء. (ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) حيث تدعون أنكم على الحق والمؤمنون على الباطل فتنقضون عهودهم. ثم بين أنه سبحانه قادر على أن يجمع المؤمنين والكافرين على الوفاء وسائر أبواب الإيمان ولكنه بحكم الإلهية (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) والمعتزلة حملوا المشيئة على مشيئة الإلجاء بدليل قوله : (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ولو كانت أعمال العباد بخلق الله تعالى لكان سؤالهم عبثا. أجابت الأشاعرة بأنه لا يسأل عما يفعل. روى الواحدي أن عزيرا قال : يا رب خلقت الخلق فتضل من تشاء وتهدي من تشاء. فقال : يا عزير أعرض عن هذا فأعاده ثانيا فقال : أعرض عن هذا وإلا محوت اسمك من النبوّة. قال المفسرون : لما نهاهم عن نقض مطلق الأيمان أراد أن ينهاهم عن نقض أيمان مخصوصة أقدموا عليها وهو نقض بيعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والدليل على هذا التخصيص قوله : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) لأن هذا الوعيد لا يليق بنقض عهد قبيله وإنما يليق بنقض عهد النبي صلىاللهعليهوسلم. قال جار الله : وحدت القدم ونكرت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه فكيف بأقدام كثيرة. وهذا مثل يضرب لمن وقع في بلاء بعد عافية ، ولا ريب أن من نقض عهد الإسلام وزلت قدمه عن محجة الدين القويم فقد سقط من الدرجات العالية إلى الدركات الهاوية بيانه قوله : (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) في الدنيا (بِما صَدَدْتُمْ) بصدودكم أو بصدكم غيركم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) لأن المرتد قد يقتدي به غيره. (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة. ويحتمل أن يراد أن ذلك السوء الذي تذوقونه هو عذاب عظيم. قال جار الله : كان قوم أسلموا بمكة ثم زين لهم الشيطان نقض البيعة لكونهم مستضعفين هناك فأوعدهم الله على ذلك ، ثم نهاهم عن الميل إلى ما كان يعدهم قريش من عرض الدنيا إن رجعوا عن الإسلام فقال : (وَلا تَشْتَرُوا) الآية. ثم ذكر دليلا قاطعا على أن ما عند الله خير فقال : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ) من خزائن رحمته (باقٍ) وفيه دليل على أن نعيم الجنة باق لأهلها لا ينقطع. وقال جهم بن صفوان : إنه منقطع والآية حجة عليه (وَلَنَجْزِيَنَ