اليمين والأصح العموم وهو كل عهد يلتزمه الإنسان باختياره بدليل قوله : (إِذا عاهَدْتُمْ) وقول من قال : العهد هو اليمين يلزم منه أن يكون قوله سبحانه : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) أي بعد توثيقها باسم الله تكرارا. وأكد ووكد لغتان فصيحتان. قال الزجاج : الأصل الواو والهمزة بدل. وفي الآية دلالة على الفرق بين الأيمان المؤكدة وبين لغو اليمين كقولهم «لا والله» و «بلى والله». وأيضا الآية من العمومات التي دخلها التخصيص لما روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر» (١). وقد مر بحث الأيمان في «البقرة» وفي «المائدة» في قوله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) [الآية : ٢٢٥] الآية. (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) أي شاهدا ورقيبا لأن الكفيل مراع لحال المكفول به. (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) فيجازيكم بحسب ذلك خيرا وشرا. وفيه ترغيب وترهيب. ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض بقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) أي من بعد قوّة الغزل بإمرارها وفتلها. قال الزجاج : انتصب (أَنْكاثاً) على المصدر لأن معنى نقضت نكثت. وزيف بأن (أَنْكاثاً) ليس مصدرا وإنما هو جمع نكث بكسر النون وهو ما ينكث فتله. وقال الواحدي : هو مفعول ثان كما تقول كسره أقطاعا وفرقه أجزاء أي جعله أقطاعا وأجزاء فكذا هاهنا أي جعلت غزلها أنكاثا. قلت : ويحتمل أن يكون حالا مؤكدة. قال ابن قتيبة : هذه الآية متصلة بما قبلها والتقدير : وأوفوا بعهد الله ولا تنقضوا الأيمان فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم مثل امرأة غزلت غزلا وأحكمته ثم جعلته أنكاثا. فعلى هذا المشبه به امرأة غير معينة ، ولا حاجة في التشبيه إلى أن يكون للمشبه به وجود في الخارج. وقيل : المراد امرأة معينة من قريش ريطة بنت سعد بن تيم وكانت خرقاء ، اتخذت مغزلا قدر ذراع وصنارة مثل أصبع وهي الحديدة في رأس المغزل وفلكة عظيمة على قدرها ، وكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. قال جار الله : (تَتَّخِذُونَ) حال و (دَخَلاً) مفعول ثان لتتخذ أي لا تنقضوا أيمانكم متخذيها دخلا بينكم أي مفسدة ودغلا. وقال الواحدي : أي غشا وخيانة. وقال الجوهري : أي مكرا وخديعة. وقال غيره : الدخل ما أدخل في الشيء على فساد. وقوله : (أَنْ تَكُونَ) أي لأن تكون (أُمَّةٌ) يعني جماعة قريش هي أربى أزيد وأوفر عددا ومالا (مِنْ أُمَّةٍ) هي جماعة المؤمنين. قال مجاهد : كانوا
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الأيمان حديث ١١ ـ ١٣. الترمذي في كتاب النذور باب : ٦. النسائي في كتاب الأيمان باب : ١٥ ، ١٦. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب : ٧. الدارمي في كتاب النذور باب : ٩. الموطأ في كتاب النذور باب : ١١. أحمد في مسنده (٤ / ٢٥٦ ، ٣٧٨).