أكرهه على شرب الخمر وأكل الميتة لما فيه من صون النفس مع عدم إضرار بالغير ولا إهانة لحق الله. ومنها أن يصير الفعل مباحا لا واجبا كما لو أكره على التلفظ بكلمة الكفر لما روي أن بلالا صبر على العذاب وكان يقول : أحد أحد حتى ملوه وتركوه ولم يقل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بئسما فعلت بل عظمه ، ولأن في ترك التقية والصبر على القتل أو التعذيب إعزازا للإسلام. ومنها أنه لا يجب ولا يباح بل يحرم كما إذا أكره على قتل إنسان أو على قطع عضو من أعضائه فههنا يبقى الفعل على الحرمة الأصلية. وحينئذ لو قتل فللعلماء قولان : أحدهما لا يلزم القصاص وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه لأنه قتل دفعا عن نفسه فأشبه قتل الصائل ، ولأنه كالآلة للمكره ولذلك وجب القصاص على المكره وثانيهما ـ وبه قال أحمد والشافعي في أصح قوليه ـ أن عليه القصاص لأنه قتله عدوانا لاستبقاء نفسه فصار كما لو قتل المضطر إنسانا فأكله. ومن الأفعال ما لا يمكن الإكراه عليه وهو الزنا لأن الإكراه يوجب الخوف الشديد وذلك يمنع من انتشار الآلة ، فلو دخل الزنا في الوجود علم أنه وقع بالاختيار لا بالإكراه. والأصح أن الإكراه فيه متصوّر ، وأن الحد يسقط حينئذ ، وعن أبي حنيفة أنه إن أكرهه السلطان لم يجب الحد ، وإن أكرهه بعض الرعية وجب.
قال بعض الأصوليين : في قوله : (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) دلالة على أن محل الإيمان هو القلب فهو إما الاعتقاد إن كان الإيمان معرفة ، وإما كلام النفس إن كان تصديقا. وانتصاب (صَدْراً) على التمييز وأصله. ولكن من شرح بالكفر صدره. فعدل إلى النصب للمبالغة ولبناء الكلام على الإبهام ثم التفسير. قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ) أي ذلك الارتداد بسبب أنهم رجحوا (الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) ولأجل أنه تعالى ما هداهم إلى الإيمان ولم يعصمهم عن الكفر. وقال جار الله : ذلك الوعيد والغضب والعذاب بسبب استحقاقهم خذلان الله بكفرهم. وهذا البحث وكذا بحث الطبع والختم والخلاف في تفسيره بين الأشاعرة والمعتزلة قد مر في أول سورة البقرة وفي غيرها فلا حاجة إلى الإعادة. (وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) أي الكاملون في الغفلة إذ غفلوا عن تدبر العواقب (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) وقال في أوائل سورة هود (هُمُ الْأَخْسَرُونَ) [الآية : ٢٢] لأن أولئك صدوا عن سبيل الله وصدوا غيرهم فضلوا وأضلوا لذلك ضوعف لهم العذاب فهم الأخسرون ، وهؤلاء صدوا بأنفسهم فهم الخاسرون. ويمكن أن يقال : إن ما قبل الفواصل في تلك السورة لم يعتمد على ألف قبلها مثل «يبصرون» «يفترون». وفي هذه السورة اعتمدت على الألف مثل «الكافرين» «الكاذبون» فجاء في كل سورة على ما يناسبها. ولما