الحمد لله الذي كساني ولو شاء أعراني ، وإذا احتذى قال : الحمد لله الذي حذاني ولو شاء أحفاني ، وإذا قضى حاجته قال : الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية ولو شاء حبسه ، وكان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به فإن وجده محتاجا آثر به. ثم ذكر أن كثيرا من بني إسرائيل ما اهتدوا بهدى التوراة فقال : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أوحينا إليهم وحيا مقضيا مقطوعا به في الكتاب الذي هو التوراة وقول : (لَتُفْسِدُنَ) جواب قسم محذوف ، أو أجرى القضاء المبتوت مجرى القسم كأنه قيل : وأقسمنا لتفسدن (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَ) لتعظمن وتستولن على الناس (عُلُوًّا كَبِيراً) تسلطا عظيما وبغيا شديدا (فَإِذا جاءَ وَعْدُ) عقاب (أُولاهُما) أولى المرتين (بَعَثْنا) أرسلنا وسلطنا (عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أصحاب نجدة وشدة قتال (فَجاسُوا) ترددوا للمارة (خِلالَ الدِّيارِ) أوساطها وفرجها يعني ديار بيت المقدس (وَكانَ) وعد العقاب (وَعْداً مَفْعُولاً) لا بد من وقوعه (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ) الدولة والغلبة (عَلَيْهِمْ) على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو : (وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) مما كنتم. والنفير من ينفر مع الرجل من قومه. احتجت الأشاعرة بقوله سبحانه : (قَضَيْنا) بعثنا (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) على صحة القضاء والقدر وأن الفساد والنهب والقتل والأسر كلها بفعله. وأجابت المعتزلة بأن المراد أنه خلى بينهم وبين ما فعلوا ولم يمنعهم عن تخريب بيت المقدس وإحراق التوراة وقتل حفاظها. وضعف بأن تفسير البعث بالتخلية وعدم المنع خلاف الظاهر ، على أن الدليل الكلي العقلي قد دل على وجوب انتهاء الكل إليه.
ولما حكى عنهم أنهم حين عصوا سلط عليهم أعداءهم مهد قاعدة كلية في الإحسان والإساءة قائلا (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) لم يقل فعليها أو فإليها للتقابل ، مع أن حروف الإضافة بعضها يقوم مقام البعض. قال أهل الإشارة : إنه أعاد الإحسان ولم يذكر الإساءة إلا مرة ففيه دليل على أن جانب الرحمة أغلب (فَإِذا جاءَ وَعْدُ) عقاب المرة (الْآخِرَةِ) بعثناهم حذف جواب «إذا» لدلالة ذكره أولا عليه. ومعنى (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) ليجعلها الله ، أو الوعد ، أو البعث ، أو ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها لأن آثار الأعراض النفسانية الحاصلة في القلب إنما تظهر على الوجه (وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا) ليهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه ، ويجوز أن يكون «ما» بمعنى المدة أي ما دام سلطانهم جاريا على بني إسرائيل. وقوله : (تَتْبِيراً) ذكر المصدر إزالة للشك وتحقيقا للخبر. ويروى أن بني إسرائيل تعظموا وتكبروا واستحلوا المحارم وقتلوا