(بِرَحْمَةٍ مِنَّا) أي بفضل وامتنان أو بسبب ما هم فيه من الإيمان والعمل الصالح (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أطلق التنجية أوّلا ثم قيدها على معنى وكانت تلك التنجية من عذاب غليظ سموم تدخل في أفواههم وتخرج من أدبارهم فتقطعهم عضوا عضوا. ويحتمل أن يراد بالثانية النجاة من عذاب الآخرة ولا عذاب أغلظ منه.
ولما ذكر قصتهم خاطب محمدا وأشار إلى قبورهم وآثارهم بقوله : (وَتِلْكَ عادٌ) فانظروا واعتبروا. ثم استأنف وصف أحوالهم مجملة فقال : (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) فلم يتسلقوا من المعجزات إلى صدق الأنبياء ، ولم يرتقوا من الممكنات إلى وجود الواجب بالذات (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) قيل : لم يرسل إليهم إلا هود ، وصح الجمع لأن عصيان رسول واحد يتضمن عصيان كلهم (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥] (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أطاعوا رؤساءهم وكبراءهم المتمردة والمعاندة ولهذا جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين. وفي تكرير «ألا» والنداء على كفرهم ، والدعاء عليهم بالبعد بعد إهلاكهم دلالة على تفظيع شأنهم وأنهم كانوا مستأهلين للدعاء عليهم بالهلاك ، ويحتمل أن يراد البعد من رحمة الله في الآخرة. وقوله : (قَوْمِ هُودٍ) عطف بيان لعاد إما للتأكيد ومزيد التقرير ، وإما لأن عادا عادان القديمة التي هي قوم هود ، والأخرى وهي إرم. قوله في قصة ثمود (هُوَ أَنْشَأَكُمْ) تقديم الضمير للحصر أي لم ينشئكم إلا هو ، ومعنى الإنشاء من الأرض أن الكل مخلوق من صلب آدم وهو مخلوق من الأرض. ويمكن أن يقال : إن الإنسان مخلوق من المني وهو يحصل من الغذاء والغذاء ينتهي إلى النبات ثم إلى الأرض. وقيل : إن «من» بمعنى «في». (وَاسْتَعْمَرَكُمْ) من العمارة أي جعلكم عمارا للأرض وأمركم بالعمارة. فمنها واجب وندب ومباح ومكروه ، وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار فعمروا الأعمار الطوال مع ما كان منهم من الظلم. فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي وقيل : من العمر نحو استبقاكم من البقاء. وقيل : من العمرى. ومعناه أعمركم الله فيها دياركم ثم هو وارثها منكم عند انقضاء أعماركم ، أو جعلكم معمرين دياركم فيها لأن الرجل إذا ورّث داره من بعده فكأنه أعمره إياها لأنه يسكنها عمره ثم يتركها لوارثه. ومعنى كونه تعالى قريبا قد مر في قوله : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [البقرة : ١٨٦] وذلك في «البقرة». (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) عن ابن عباس : فاضلا خيرا نقدمك على جميعنا. وقيل : كنا نظن بك الرشد والصلاح وكمال العقل وإصابة الرأي. وقيل : كنت تعطف على فقيرنا وتعين ضعيفنا وتعود مرضانا فظننا أنك من الأنصار