مَذْمُوماً مَدْحُوراً) مطرودا من رحمة الله. (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ) بأن يعقد بها همته ويتجافى عن دار الغرور (وَسَعى لَها سَعْيَها) أي حق السعي لأجلها وذلك أن يكون العمل الذي يتوسل به إلى الفوز بثواب الآخرة من جملة القرب والطاعات وعلى قوانين الشرع والعقل لا البدعة والهوى (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) لأن شيئا من صور الأعمال الصالحة لا يوجب الثواب إلا بعد تقديم الإيمان (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) قال العلماء : الشكر عبارة عن مجموع أمور ثلاثة : اعتقاد كونه محسنا في تلك الأعمال ، والثناء عليه بالقول ، والإتيان بأفعال تدل على كونه معظما عند ذلك الشاكر. والله سبحانه تعالى يعامل المطيعين بهذه الأمور الثلاثة لأنه يعلم كونهم محسنين في تلك الأعمال وأنه يثنى عليهم بكلامه ويعاملهم المعاملات الدالة على كونهم معظمين عند الله.
وفي قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) دون أن يقول : «من أراد العاجلة» كما قال : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ) إشارة إلى أن مريد نفع الدنيا لا يكون مذموما إلا إذا كان غالبا في ذلك ثابت القدم فسيح الأمل ، ومريد الآخرة يكون محمودا بأدنى التفاتة بعد وجود الشرط. قالت الأشاعرة : إن مجموع القدرة مع الداعي هو الموجب للفعل ونحن نشكر الله على الإيمان لأنه أعطى القدرة والداعية ، ولكنه حين حصل الإيمان للعبد واستتبع السعادات الباقية صار العبد أيضا مشكورا ، ولا منافاة بين الأمرين. وقالت المعتزلة : نحن لا نشكر الله على الإيمان لأن المدح على عمل لم يعمله الممدوح قبيح. قال تعالى : (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) ولكنا نشكره على ما أعطانا من القدرة والعقل وإنزال الكتب وإيضاح الدلائل. واعلم أنه تعالى ذكر صنفين من الناس : قاصد خيرات الدنيا وقاصد خيرات الآخرة. وهاهنا ثلاثة أقسام أخر : الأوّل أن يكون طلب الآخرة في عمله راجحا فقيل إنه غير مقبول أيضا لما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال حكاية عن رب العزة : «أنا أغنى الأغنياء عن الشكر من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه» وقيل : يعارض المثل بالمثل ويبقى القدر الزائد داعية خالصة لطلب الآخرة فيقع في حيز القبول. الثاني أن يكون طلب الدنيا وطلب الآخرة متعادلين. الثالث أن يكون طلب الدنيا راجحا. واتفقوا على أن هذين القسمين أيضا لا يقبلان إلا أنهما على كل حال خير من الرياء المحض. ثم بين كمال رأفته وشمول رحمته فقال : (كُلًّا) أي كل واحد من الفريقين (نُمِدُّ) أي نزيدهم من عطائنا على تلاحق من غير انقطاع بالمعصية. وقوله : (هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) بدل من كل و (مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) متعلق بـ (نُمِدُّ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) ممنوعا من المكلف بسبب عصيانه (انْظُرْ) يا محمد أو يا من له أهلية النظر والاعتبار إلى عطائنا المباح