للفريقين في الدنيا (كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) فأوصلناه إلى مؤمن وقبضناه عن مؤمن آخر ، وأوصلناه إلى كافر وقبضناه عن كافر آخر ليكون بعضهم تحت تسخير بعض. (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) لأن نسبة التفاضل في درجات الآخرة إلى التفاضل في درجات الدنيا كنسبة الآخرة إلى الدنيا. وقيل : المراد أن المؤمنين يدخلون الجنة والكافرين يدخلون النار فيظهر فضل المؤمنين على الكافرين. وعن بعضهم : أيها المباهي بالرفع منك في مجالس الدنيا ، أما ترغب في المباهاة بالرفع في مجالس الآخرة وهي أكبر وأفضل؟!.
التأويل : نزه نفسه بقوله : (سُبْحانَ) عن الاتحاد الكلي ، ولكن أخبر عن مقام وصول حبيبه. فقوله : (أَسْرى) إشارة إلى الجذبة الخفية عن الأغيار ، وقوله (بِعَبْدِهِ) إشارة إلى مقام تصحيح نسبة العبدية التي هي آخر مقامات السالكين ، وقوله : (لَيْلاً) رمز إلى أن ذلك الجذب كاد يكون خفيا عن المجذوب إذا كان ذاهلا عن أنانيته. وقوله : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) هو مقام يحرم فيه الالتفات إلى ما سوى الله. (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) هو مقام الفناء في الله (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) بالبقاء بالله (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) التي لم تسمع أذن ولا أبصرت عين (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فلا يصل أحد إليه إلا إذا سمع به وأبصر به. هذا ما خطر ببال هذا الضعيف في تأويل هذه الآية فإن كان صوابا فمن فضل الله وعطائه ، وإلا فمني ومن الشيطان (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) الجسدانية بالقتل وفك التركيب وخلال الديار المعنوية حين استولت الصفات الذميمة على الخصال الحميدة لتخريب بيت مقدس القلب (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) باستيلاء داود القلب وقتل جالوت النفس (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ) الطاعات (وَبَنِينَ) الإيمان والإيقان (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) حين ارتد عن الطريقة (لِيَسُوؤُا) وجوه قلوبكم بحجب سوء أعمالكم (وَإِنْ عُدْتُمْ) إلى الجهل (عُدْنا) إلى الفضل ، أو وإن عدتم إلى الندم عدنا إلى الكرم ، أو إن عدتم إلى العبودية عدنا إلى الربوبية ، أو إن عدتم إلى التقربات عدنا إلى الجذبات (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ) البشرية ونهار الروحانية (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) وهي قمر القلب فني في نور العقل حين تطلع شمس شهود الحق وهي آية النهار ، فإذا طلع الصباح استغنى عن المصباح (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) وهو تجلي ذاته وصفاته ، وقد اختص الإنسان به من بين المخلوقات. (وَلِتَعْلَمُوا) أيام الطلب وحساب الترقي من مقام إلى مقام وكل شيء يحتاج إليه السالك بيناه بالإشارات (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) فيه أن قلب الإنسان بين أصبعي قهر الرحمن ولطفه وبحسب ذلك