ف «أن» ناصبة ويجوز أن تكون مفسرة ، والفعل النهي معناه أي لا يعبدوا. وقد روى الضحاك وسعيد بن جبير وميمون بن مهران عن ابن عباس أنه كان الأصل في هذه الآية «ووصى ربك» وبه قرأ علي وعبد الله فالتصقت الواو بالصاد فقرىء : (وَقَضى رَبُّكَ) ثم قال : ولو كان على القضاء ما عصى الله أحد قط لأن خلاف قضاء الله ممتنع. وضعف هذا القول بأنه يوجب تجويز وقوع التحريف والتصحيف في القرآن. أمر بعبادة نفسه ثم أردفه بالأمر ببر الوالدين وتقدير الكلام بأن تحسنوا بالوالدين أو وأحسنوا بالوالدين إحسانا ، ولا يجوز أن يتعلق الباء في (بِالْوالِدَيْنِ) بالإحسان على ما ذهب إليه الواحد ، لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته وقد مر في أوائل البقرة تفسير قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وأنه لم يجعل الإحسان إليهما تاليا لعبادة الله. يحكى أن واحدا من المتسمين بالحكمة كان يضرب أباه ويقول : هو الذي أدخلني في عالم الكون والفساد وعرضني للفقر والعمى والزمانة. وقيل لأبي العلاء المعري : ماذا نكتب على قبرك؟ قال : اكتبوا عليه :
هذا ما جناه أبي علي |
|
وما جنيت على أحد |
وقال في ترك التزوج والولد :
وتركت فيهم نعمة العدم التي |
|
سبقت وصدّت عن نعيم العاجل |
ولو أنهم ولدوا لعانوا شدة |
|
ترمى بهم في موبقات الآجل |
وقيل للإسكندر : أستاذك أعظم منّة عليك أم والدك؟ فقال : الأستاذ أعظم منة لأنه تحمل أنواع الشدائد والمحن عند تعلمي حتى أرتعني في نور العلم ، فأما الوالد فإنه طلب تحصيل لذة الوقاع لنفسه فأخرجني إلى آفات عالم الكون والفساد. ومن هنا قيل : «خير الآباء من علمك». وقال العقلاء : وهب أن الوالد في أول الأمر طلب لذة الوقاع إلا أن اهتمامه بإيصال الخيرات إلى الولد ودفع الآفات عنه من أول دخول الولد في الوجود إلى أوان كبره بل إلى آخر عمره لا ينكر ولا يكفر ، ولهذا نكر (إِحْساناً) أي أحسنوا إليهما إحسانا عظيما كاملا جزاء على وفور إحسانهما إليك ، على أن البادئ بالبر لا يكافأ لأنه أسبق منه.
ثم فصل طرفا من الإحسان المأمور به فقال : (إِمَّا يَبْلُغَنَ) هي «إن» الشرطية زيدت عليها «ما» الإبهامية لتأكيد معنى الشرط ، ثم أدخلت النون المشددة لزيادة التقرير والتأكيد كأنه قيل : إن هذا الشرط مما سيقع البتة عادة فليكن هذا الجزاء مرتبا عليه وإلا فالتقرير والتأكيد ليس يليق بالشرط الذي مبناه على تردد الحكم. وقال النحويون : إن الشرط أشبه