النهي من حيث الجزم وعدم الثبوت فلهذا صح دخول النون المؤكدة فيه. من قرأ الفعل على التوحيد فقوله : (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) فاعل له لكن الأول بالاستقلال والثاني بتبعية العطف ، ومن قرأ على التنبيه فأحدهما يدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين ، وكلاهما عطف على البدل فهو بدل مثله. ولا يصح أن يكون توكيد للضمير معطوفا على البدل لاستلزام العطف المشاركة دون المباينة. (أَوْ كِلاهُما) مفرد لفظا مثنى معنى ، وألفه عن واو عند الكوفيين وأصله كل المفيد للإحاطة فخفف بحذف إحدى اللامين وزيد ألف التثنية ليعرف أن المراد الإحاطة في المثنى لا في الجمع. وضعف بأنه لو كان كذلك لوجب أن يقال في الخفض والنصب «مررت بكلي الرجلين» بكسر الياء كقوله (طَرَفَيِ النَّهارِ) [هود : ١١٤] (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) [يوسف : ٤١] قال في الكشاف : معنى (عِنْدَكَ) هو أن يكبرا ويعجزا وكانا كلا على ولدهما لا كافل لهما غيره فهما عنده في بيته وكنفه. وفي (أُفٍ) لغات : ضم الهمزة مع الحركات في الفاء الثلاث بالتنوين وبدونه. وأف بكسرتين بلا تنوين. وأ في ممالا كبشرى ، وأف كخذ ، وأفة منونة وغير ممنونة وقد تتبع المنونة تفة فيقال : أفة وتفة وهي من أسماء الأفعال. وفي تفسيرها وجوه : قال الفراء : تقول العرب فلان يتأفف من ريح وجدها أي يقول : أف أف. وقال الأصمعي : الأف وسخ الأذن ، والتف وسخ الأظفار. يقال ذلك عند استقذار الشيء ثم كثر حتى استعملوه في كل ما يتأذون به. وقيل : معنى «أف» القلة من الأفيف وهو الشيء القليل ، وتف اتباع له نحو شيطان ليطان وحيث بيث وخبيث نبيث. وروى ثعلب عن ابن الأعرابي أن الأف الضجر. وقال القتيبي : أصله أنه إذا سقط عليه تراب ونحوه نفخ فيه ليزيله ، فالصوت الحاص عند تلك النفخة هو القائل أف ، ثم توسعوا فذكروه عند كل مكروه يصل إليهم ، قال الزجاج : معناه النتن وبه فسر مجاهد الآية أي لا تتقذرهما كما أنهما لم يتقذراك حين كنت تخر أو تبول. وفي رواية أخرى عن مجاهد : إذا وجدت منهما رائحة تؤذيك فلا تقل لهما أف أي لا تقل تضجرت أو أتضجر.
قال بعض الأصوليين : منع التأفيف يدل على المنع من سائر أنواع الأذية دلالة لفظية. ومعنى الآية لا تتعرض لهما بنوع من أنواع الإيذاء والإيحاش كما أن قولك لا يملك فلان نقيرا ولا قطميرا يدل في العرف على أنه لا يملك شيئا أصلا. وقال الأكثرون منهم : إن الشرع إذا نص على حكم صورة وسكت عن صورة أخرى ، فإذا أردنا إلحاق المسكوت عنها بالمنصوص عليها فإما أن يكون الحكم في محل السكوت أخفى من الحكم في محل الذكر وهو أكثر القياسات ، وإما أن يتساويا كقوله صلىاللهعليهوسلم :