وأن يكتفي بالعفو وأخذ الدية ، فثبت أن هذه الآية لا يجوز التمسك بها في مسألة أن موجب العمد هو القصاص. وعن الشافعي أن التنوين في قوله : (مَظْلُوماً) للتنكير فيدل على أن المقتول ما لم يكن كاملا في وصف المظلومية لم يدخل تحت هذا النص ، فيعلم منه أن المسلم لا يقتل بالذمي لأن الذمي مشرك فإن ذنبه غير مغفور كالمشرك ، ولأن النصارى قائلون بالتثليث وقد قال تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٥] فثبت أن الذمي غير كامل في المظلومية فلا يندرج في الآية. وأيضا ليس فيها دلالة على أن الحر يقتل بالعبد لأنها وإن كانت عامة إلا أن قوله (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) [البقرة : ١٧٨] خاص والخاص مقدم على العام. من قرأ فلا تسرف بالتاء الفوقانية فعلى خطاب الولي أو قاتل المظلوم ، ومن قرأ على الغيبة فالضمير للولي أي فلا يقتل غير القاتل ولا اثنين والقاتل واحد كعادة الجاهلية. وعن مجاهد أن الضمير الأول للقاتل ، أما الضمير في قوله : (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) فإما للولي أي حسبه أن الله قد نصره بإيجاب القصاص فلا يستزاد عليه ، أو نصره بمعونة السلطان والمؤمنين فلا يتبع ما وراء حقه ، وإما للمظلوم فإن الله نصره في الدنيا بإيجاب القصاص على قاتله ، وفي الآخرة بإعطاء الثواب. وأما الذي يقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله فإنه منصور بإيجاب القصاص على المسرف.
ولما ذكر النهي عن إتلاف النفوس في المبادئ وفيما وراءها أتبعه النهي عن إتلاف الأموال وكان أهمها بالحفظ والرعاية مال اليتيم فقال : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي) بالطريقة التي (هِيَ أَحْسَنُ) وهي تثميره وإنماؤه. وروى مجاهد عن ابن عباس : إذا احتاج الولي أكل بالمعروف فإذا أيسر قضاه وإن لم يوسر فلا شيء عليه ويتصرف الولي في مال اليتيم على الوجه المذكور (حَتَّى يَبْلُغَ) اليتيم (أَشُدَّهُ) بأن تكمل قواه العقلية والحسية كما مر في آخر «الأنعام» (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) يتناول كل عهد جري بين إنسانين على وفق الشرع وقانونه في المعاملات والمناكحات وغيرها إلا إذا دلّ دليل خاص على ضده. (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) أي مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به ، أو هو على حذف المضاف والمراد أن صاحب العهد مسؤول أو هو تخييل كأنه يقال للعهد : لم نكثت تبكيتا للناكث كقوله : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) [التكوير : ٨] ثم أمر بإيفاء الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن. والقسطاس بضم القاف وكسرها هو القبان المسمى بالقرسطون. وقيل : كل ميزان صغير أو كبير والأصح أنه لغة العرب من القسط النصيب المعدل ، وقيل رومي أو سرياني (ذلِكَ) الإيفاء والوزن المعدل (خَيْرٌ) من التطفيف (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) عاقبة من آل إذا رجع. أما في الدنيا فلانة إذا اشتهر بالاحتراز عن الخيانة مالت القلوب إليه