وعول الناس عليه فينفتح عليه أبواب المعاملات ، وأما في الآخرة فظاهر. وقال الحكيم : إن نقصان الكيل والوزن قليل والوعيد عليه شديد والعار فيه عظيم فيجب على العاقل أن يحترز عنه. ثم أمر بإصلاح اللسان والقلب فقال : (وَلا تَقْفُ) أي لا تتبع من قولك «قفوت فلانا» أي اتبعت أثره ومنه قافية الشعر لأنها تقفو كل بيت ، والقبيلة المشهورة بالقافة لأنهم يتبعون آثار أقدام الناس ويستدلون بها على أحوالهم في النسب. والمراد النهي عن أن يقول الرجل ما لا يعلم أو يعمل بما لا علم له به ، وهذه قضية كلية ولكن المفسرين حملوها على صور مخصوصة فقيل : نهى المشركين عن تقليد أسلافهم في الإلهيات والنبوات والتحليل والتحريم والمعاد كقوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) [النجم : ٢٣] (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) [الأنعام : ١٤٨] وعن محمد بن الحنيفة : المراد شهادة الزور. ومثله عن ابن عباس : لا تشهد إلا بما رأته عيناك وسمعته أذناك ووعاه قلبك. وقيل : أراد النهي عن القذف ورمي المحصنين والمحصنات بالأكاذيب. وكانت عادة العرب جارية بذلك يذكرونها في الهجاء ويبالغون فيه. وقال قتادة : معناه لا تقل سمعت ورأيت وعلمت ولم تسمع ولم تر ولم تعلم. وقيل : القفو هو البهت وهو في معنى الغيبة لأنه قول يقال في قفاه ومنه الحديث : «من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج» (١) أي يتوب. وردغة الخبال بفتح الدال وسكونها هي غسالة أهل النار من القيح والصديد.
احتج نفاة القياس بالآية زعما منهم أن الحكم في دين الله بالقياس حكم بغير المعلوم. وأجيب بأن العلم قد يراد به الظن قال تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) [الممتحنة : ١٠] ولا ريب أنه إنما يمكن العلم بإيمانهن بناء على إقرارهن ، وإنه لا يفيد إلا الظن. سلمنا لكن الظن وقع في الطريق لأن الشرع قد أقام الظن الغالب مقام العلم وأمر بالعمل به ، وزيف بأنه لا دليل قاطعا على وجوب العمل بالظن الغالب لأن ذلك الدليل ليس عقليا بالاتفاق ، ولا نقليا لأنه إنما يكون قطعيا لو كان منقولا نقلا متواترا وكانت دلالته على ثبوت هذا الطلب دلالة قطعية غير محتملة للنقيض ، ولو حصل مثل هذا الدليل لوصل إلى الكل ولم يبق خلاف ، ونوقض بأن الدليل الذي عولتم عليه ـ وهو هذه الآية ـ تمسك بعام مخصوص للاتفاق على أن العمل بالشهادة عمل بالظن وهو جائز. وكذا الاجتهاد في القبلة وفي قيم المتلفات وأروش الجنايات ، وكذا الفصد
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٢ / ٨٢).