والحجامة وسائر المعالجات ، وكذا الحكم بكون الشخص المعين كالذبائح مؤمنا لتحل ذبيحته ، أو الوارث لحصول التوارث ، أو الميت ليدفن في مقابر المسلمين. وبالحقيقة أكثر الأعمال المعتبرة في الدنيا من الأسفار وطلب الأرباح والمعاملات إلى الآجال المعينة والاعتماد على صداقة الأصدقاء وعداوة الأعداء كلها مظنونة. وقال صلىاللهعليهوسلم : نحن نحكم بالظاهر. والتمسك بالعام المخصوص لا يفيد إلا الظن. فلو دلت هذه الآية على أن التمسك بالظن غير جائز لزم أن لا يجوز التمسك بهذه الآية ، وكل ما يفضي ثبوته إلى نفيه يسقط الاستدلال به. وأجيب بأنا نعلم بالتواتر الظاهر من دين محمد صلىاللهعليهوسلم أن التمسك بآيات القرآن جائز. ورد بأن كون العالم المخصص حجة غير معلوم بالتواتر ، ثم علل النهي بقوله : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ) إشارة إلى الأعضاء الثلاثة وإن لم تكن من ذوات العقول كقوله : والعيش بعد أولئك الأيام. (كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) قال في الكشاف : (عَنْهُ) في موضع الرفع بالفاعلية مثل (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧] وفيه نظر لأن المسند إليه الفعل أو شبهه لا يتقدم عليه. والصواب أن يقال : إنه فاعل (مَسْؤُلاً) المحذوف والثاني مفسر له. وكيف يسأل عن هذه الجوارح؟ قيل : يسأل صاحبها عما استعملها فيه لأنها آلات والمستعمل لها هو الروح الإنساني ، فإن استعملها في الخيرات استحق الثواب وإلا فالعقاب. وقيل : إنه تعالى ينطق الأعضاء ثم يسألها عن أفعالها. (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) نصب على الحال مع أنه مصدر أي ذا مرح وهو شدة الفرح. وفي وضع المصدر موضع الصفة نوع من التأكيد مثل «أتاني ركضا» ونهي عن مشية أهل الخيلاء والكبر. (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) لن تثقبها بشدة وطأتك (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) مصدر في موضع الحال من الفاعل أو المفعول ، أو تمييز ، أو مفعول له ، أو مصدر من معنى تبلغ. بيّن ضعف الآدمي بأنه في حال انخفاضه لا يقدر على خرق الأرض ، وحال ارتفاعه لا يقدر على الوصول إلى رؤوس الجبال ، فلا يليق به أن يتكبر. وبوجه آخر كأنه قيل له : إنك خلق ضعيف محصور بين حجارة من فوقك وتراب من تحتك ، فلا تفعل فعل المقتدر القوي. وقيل : إنه مثل ومعناه : كما أنك لن تخرق الأرض في مشيتك ولن تبلغ الجبال طولا فكذلك لا تبلغ ما أردت بكبرك وعجبك وفيه يأس للإنسان من بلوغ إرادته.
(كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ) من قرأ بالإضافة فظاهر لأن المذكور من قوله : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) بعضها أحسن وهو المأمورات وبعضها سيىء وهو المنهيات ، فالمعنى أن ما كان من تلك الأشياء سيئا فإنه مكروه عند الله. ويمكن أن يراد بسيىء تلك الخصال طرف الإفراط أو التفريط. ومن قرأ (سَيِّئُهُ) على التأنيث فقوله : (كُلُّ ذلِكَ) إشارة إلى