الذي نحن عليه من مفارقة الكفار (رَشَداً) أي أمر إذا رشد حتى نكون بسببه راشدين غير ضالين فتكون «من» للابتداء ، ويجوز أن تكون للتجريد كما في قولك «رأيت منك أسدا» أي اجعل أمرنا رشدا كله. (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) قال المفسرون : أي أنمناهم والأصل فيه أن المفعول محذوف وهو الحجاب كما يقال : «بنى على امرأته» أي بنى عليها القبة. و (سِنِينَ) ظرف زمان و (عَدَداً) أي ذوات عدد وهو مصدر وصف به والمراد بهذا الوصف إما القلة لأن الكثير قليل عند الله (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج : ٤٧] وإما الكثرة. قال الزجاج : إذا قل فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى العدد وإذا كثر احتاج إلى أن يعدّ (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أيقظناهم (لِنَعْلَمَ) ليظهر معلومنا وفعل العلم معلق لما في «أي» من معنى الاستفهام فارتفع (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) على الابتداء وخبره (أَحْصى) وهو فعل ماض و «ما» في (لِما لَبِثُوا) مصدرية أي أحصى (أَمَداً) للبثهم فيكون الجار والمجرور صفة للأمد فلما قدم صار حالا منه. وقيل : اللام «زائدة» و «ما» بمعنى الذي وأمدا تمييز والتقدير : أحصى لما لبثوه أمدا والأمد الغاية. وزعم بعضهم أن (أَحْصى) أفعل تفضيل كما في قولهم «أعدى من الجرب» و «أفلس من ابن المذلق» ، ولم يستصوبه في الكشاف لأن الشاذ لا يقاس عليه. واختلفوا في تعيين الحزبين فعن عطاء عن ابن عباس أن أصحاب الكهف حزب والملوك الذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك حزب. وقال مجاهد : الحزبان من أصحاب الكهف. وذلك أنهم لما انتبهوا اختلفوا فقال بعضهم : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وقال آخرون : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) وذلك حين حدسوا أن لبثهم قد تطاول. وقال الفراء : إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) أي على وجه الصدق (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) شباب (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) أي بي فوضع الظاهر موضع المضمر (وَزِدْناهُمْ هُدىً) أي بالتوفيق والتثبيت (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) قوّيناها بإلهام الصبر على فراق الخلائق والأوطان والفرار بالدين إلى بعض الغيران (إِذْ قامُوا) وفي هذا القيام أقوال : فعن مجاهد أنهم اجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد فقال رجل منهم : هو أكبر القوم إني لأجد في نفسي شيئا ما أظن أحدا يجده ، أجد أن ربي رب السموات والأرض. فقالوا : نحن كذلك في أنفسنا فقاموا جميعا (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وقال أكثر المفسرين : إنه كان لهم ملك جبار ـ يقال له دقيانوس ـ وكان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم حتى قاموا بين يديه (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وعن عطاء ومقاتل أنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم. والشطط الإفراط في الظلم والإبعاد فيه من