الملائكة وعزيرا وعيسى ومريم ، وبالموبق البرزخ أي وجعلنا بينهم أمدا بعيدا يهلك فيه السائرون لفرط بعده لأنهم في قعر جهنم وهم في أعلى الجنان. قوله : (فَظَنُّوا) قيل : علموا وأيقنوا : والأقرب أن الكفار يرون النار من مكان بعيد فيغلب على ظنونهم أنهم مخالطوها واقعون فيها في تلك الساعة من غير تأخير ولا مهلة لشدة ما يسمعون من تغيظها نظيره (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) [الفرقان : ١٢] (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) أي معدلا إلى غيرها لأن الملائكة يسوقونهم إليها آخر الأمر. ولما ذكر أن الكفرة افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم ومتصرفاتهم وأجاب عن شبههم وأقوالهم الفاسدة وضرب الأمثال النافعة وحكى أهوال الآخرة قال : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) وقد مر تفسيره في السورة المتقدمة. وحين لم يترك الكفار جدالهم وكانوا أبدا يتعللون بالأعذار الواهية ختم الآية بقوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) يعني أن الأشياء التي يتأتى منها الجدل ان فصلتها واحدا بعد واحد فإن الإنسان أكثرها خصومة فقوله : (أَكْثَرَ شَيْءٍ) كقوله (أَوَّلَ مَرَّةٍ) وقد مر في «الأنعام». وكثرة جدل الإنسان لسعة مضطربه فيما بين أوج الملكية إلى حضيض البهيمية ، فليس له في جانبي التصاعد والتسافل مقام معلوم. قال أهل البرهان : قوله تعالى في سورة «بني إسرائيل» : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) [الاسراء : ٩٤] وقال في هذه السورة بزيادة (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) لأن المعنى هناك ما منعهم عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم إلا قولهم : «أبعث الله بشرا رسولا ، هلا بعث ملكا» وجهلوا أن التجانس يورث التوانس. ومعناه في هذا الموضع ما منعهم من الإيمان والاستغفار إلا الإتيان بسنة الأوّلين وانتظار ذلك. وعن الزجاج : إلا طلب سنتهم وهو قولهم «إن كان هذا هو الحق» وزاد في هذه السورة (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) لأن قوم نوح أمروا بالاستغفار (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) [نوح : ١٠] وكذا قوم هود (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) [هود : ٥٢] وقوم صالح (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) [هود : ٦٢] وقو شعيب (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود : ٩٠] فلما خوفهم سنة الأوّلين أجرى المخاطبين مجراهم. والحاصل أنهم لا يقدمون على الإيمان والاستغفار إلا عند نزول عذاب الاستئصال أو عند تواصل أصناف البلاء عيانا. ومن قرأ بضمتين أراد أنواعا جمع قبيل. قالت المعتزلة : في الآية دلالة على أنه لا مانع من الإيمان أصلا. وقالت الأشاعرة : العلم بأنه لا يؤمن والداعي الذي يخلقه الله في الكافر يمنعانه ، فالمراد فقدان الموانع المحسوسة. ثم بين أنه إنما أرسل الرسل مبشرين بالثواب على الطاعة ومنذرين بالعقاب على المعصية لكي يؤمنوا طوعا وبين أن مع