لأهل مكة يوم بدر ، والمراد أنا عجلنا هلاكهم ومع ذلك لم ندع أن نضرب له وقتا يمكنهم التوبة قبل ذلك.
التأويل : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) وهي الأبدان الجامدة عن السلوك ، وترى أرض النفوس بارزة خالية عن موانع الطريق ، وحشرنا جميع القوى البشرية (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) لكل قوة ولكل جوهر رتبة تليق بها ، فالروح في صف الأرواح ، والقلب في صف القلوب ، وكذا النفس وقواها. (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) على هيئة الفطرة ، وقيل الأنبياء في صف ، والأولياء في صف ، والمؤمنون في صف ، والكافرون والمنافقون في الصف الأخير (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً) هي كل تصرف في شيء بالشهوة النفسانية وإن كان من المباحات. (وَلا كَبِيرَةً) هي التصرف في الدنيا على حبها فحب الدنيا رأس كل خطيئة (ما أَشْهَدْتُهُمْ) لأني لا أشهد إلا أوليائي كما قلت (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [الكهف : ٥٣] (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) رأوا في الدنيا أسباب النار من الشهوات والآثام فوقعوا فيها ولم يجدوا ما يصرفهم عنها من الديانة والإيمان الحقيقي ، فإذا رأوا النار في الآخرة أيقنوا أنهم مواقعوها (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) فتارة مجادل في التوحيد وأخرى في النبوة ومرة في الأصول ومرة في الفروع ، ولهذا كثرت المذاهب والأديان والملل والنحل ونسأل الصواب من ملهمه (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ) أسباب الهداية (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) إن كانوا مذنبين (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) من الأنبياء والأولياء والمؤمنين وهو جذبات العناية لأهل الهداية كقوله في حضرة النبي صلىاللهعليهوسلم «والله لو لا الله ما اهتدينا» (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) كقوله : «أنا نبي السيف أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» (١). والله أعلم. (م).
تم الجزء الخامس عشر ، ويليه الجزء السادس عشر أوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ) ...
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ٣٢ ـ ٣٦. البخاري في كتاب الإيمان باب ١٧. أبو داود في كتاب الجهاد باب ٩٥. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٨٨. النسائي في كتاب الزكاة باب ٣. ابن ماجه في كتاب الفتن باب ١ ـ ٣ بدون لفظ «أنا نبي السيف»