أوعدهم بقوله (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) لا يكسبنكم خلافي (أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) من الغرق (أَوْ قَوْمَ هُودٍ) من الريح العقيم (أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) من الصيحة (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) لم يقل «ببعيدة» حملا على لفظ القوم لأنه مؤنث ، ولا «ببعيدين» حملا على معناه ولكنه على تقدير مضاف أي وما إهلاكهم ببعيد لأنهم أهلكوا في عهد قريب من عهدهم. أو المراد وما هم بشيء بعيد أو بزمان أو مكان بعيد. وجوزوا أن بسوّى في بعيد وقريب وقليل وكثير بين المذكر والمؤنث لورودها على زنة المصادر التي هي الصهيل والنهيق ونحوهما. (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) يجوز أن يكون بمعنى «فاعل» أو «مفعول» كقوله : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] وهذا حث لهم على الاستغفار والتوبة ، وتنبيه على أن سبق الكفر والمعصية لا ينبغي أن يمنعهم عن الإيمان والطاعة. ولما بالغ خطيب الأنبياء في التقرير والبيان (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) إما لقلة الرغبة أو قالوا تهكما واستهانة كما يقول الرجل لصاحبه إذا لم يعبا بحديثه : ما أدري ما تقول. كأنهم جعلوا كلامه تخليطا وهذيانا لا ينفعهم كثير منه. وقيل : لأنه كان ألثغ (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) عن الحسن : مهينا أي لا عزة لك فيما بيننا ولا قوة فلا تقدر على الامتناع منا إن أردنا بك مكروها. وفسر بعضهم الضعيف بالأعمى لأن العمى سبب الضعف ، أو لأنه لغة حمير. وزيف هذا القول أما عند من جوز العمى على الأنبياء فلأن لفظة (فِينا) يأباه لأن الأعمى فيهم وفي غيرهم ، وأما عند من لا يجوزه ـ كبعض المعتزلة ـ فلأن الأعمى لا يمكنه الاحتراز من النجاسات وأنه يخل بجواز كونه حاكما وشاهدا ، فلأن يمنع من النبوة كان أولى. ثم ذكروا أنهم إنما لم يريدوا به المكروه ولم يوقعوا به الشر لأجل رهطه ـ والرهط من الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى السبعة ـ والرجم شر القتل وهو الرمي بالحجارة ، أو المراد الطرد والإبعاد ومنه الشيطان الرجيم. ثم أكدوا المذكور بقولهم (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) وإنما العزيز علينا رهطك لا خوفا من شوكتهم ولكن لأنهم من أهل ديننا ، فالكلام واقع في فاعل العز لا في الفعل وهو العز ولذلك قال في جوابهم (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) ولو قيل وما عززت علينا لم يصح هذا الجواب ، وإنما لم يقل أعز عليكم مني إيذانا بأن التهاون بنبي الله كالتهاون بالله كقوله : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] (وَاتَّخَذْتُمُوهُ) أي أمر الله أو ما جئت به (وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب أي جعلتموه كالشيء المنبوذ وراء الظهر غير ملتفت إليه. ثم وصف الله تعالى بما يتضمن الوعيد في حقهم قال : (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ). ثم زاد في الوعيد والتهديد بقوله : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) وقد مر تفسير مثله في «الأنعام». قال في