الكشاف : الاستئناف يعني في (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) وصل خفي تقديري وإنه أقوى من الوصل بالفاء وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه. ثم بالغ في التهديد بقوله : (وَارْتَقِبُوا) انتظروا عاقبة الشقاق (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) راقب كالضريب بمعنى الضارب ، أو مراقب كالعشير والنديم ، أو مرتقب كالفقير والرفيع بمعنى المفتقر والمرتفع. وباقي القصة على قياس قصة صالح وأخذ الصيحة وأخذت الصيحة كلتا العبارتين فصيحة لمكان الفاصل إلا أنه لما جاء في قصة شعيب مرة الرجفة ومرة الظلة ومرة الصيحة ازداد التأنيث حسنا بخلاف قصة صالح. وإنما دعا عليهم بقوله : (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) لما روى الكلبي عن ابن عباس قال : لم يعذب الله أمتين بعذاب واحد إلا قوم شعيب وقوم صالح. فأما قوم صالح فأخذتهم الصيحة من تحتهم ، وأما قوم شعيب فأخذتهم من فوقهم. قوله سبحانه (بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) قال في التفسير الكبير : الآيات اسم للقدر المشترك بين العلامات المفيدة للظن وبين الدلائل التي تفيد اليقين. والسلطان اسم لما يفيد القطع وإن لم يتأكد بالحس ، والسلطان المبين مخصوص بالدليل القاطع الذي يعضده الحس. وقال في الكشاف : يجوز أن يراد أن الآيات فيها سلطان مبين لموسى على صدق نبوته ، وأن يراد بالسلطان المبين العصا لأنها أبهرها وقوله : (إِلى فِرْعَوْنَ) متعلق بـ (أَرْسَلْنا فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) أي شأنه وطريقه أو أمره إياهم بالكفر والجحود وتكذيب موسى (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) أي ليس في أمره رشد إنما فيه غي وضلال ، وفيه تعريض بأن الرشد والحق في أمر موسى. ثم إن قومه عدلوا عن اتباعه الى اتباع من ليس في أمره رشد قط ، فلا جرم كما كان فرعون قدوة لهم في الضلال فكذلك يقدمهم أي يتقدمهم يوم القيامة إلى النار وهم على أثره ، ويجوز أن يراد بالرشد الإحماد وحسن العاقبة فيكون المعنى وما أمر فرعون بحميد العاقبة. ثم فسره بأنه (يَقْدُمُ قَوْمَهُ) أي كيف يرشد أمر من هذه عاقبته. ويقال : قدمه وقدمه بالتخفيف والتشديد بمعنى تقدمه ومنه مقدمة الجيش ومثله أقدم ومنه مقدم العين. وإنما قال (فَأَوْرَدَهُمُ) بلفظ الماضي تحقيقا للوقوع. والورد المورود الذي وردوه ، شبّه فرعون بمن يتقدم الواردة إلى الماء ، وشبه أتباعه بالواردة. ثم نعى عليهم بقوله : (وَبِئْسَ الْوِرْدُ) الذي يردونه النار لأن الورد إنما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار ضده. وتذكير (بِئْسَ) لتذكير الورد وإن كان هو عبارة عن النار كقولك : نعم المنزل دارك ولو قلت : نعمت جاز نظرا إلى الدار. وفي تشبيه النار بالماء نوع تهكم بهم (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ) حذف صفته في هذه الآية اكتفاء بما مر في قصة عاد. و (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أي بئس العطاء المعطى ذلك. وقيل : الرفد العون والمرفود المعان