انقلب الجماد حيوانا والمظلم مستنيرا ومثله قوله (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٩٧] وقيل : هما مع حل العقدة. وقيل : أراد اذهبا إني أمدكما بآياتي وأظهرها على أيديكما متى وقع الاحتياج إليها. وأما النهي فقوله (وَلا تَنِيا) بكسر النون مثل تعدا وقرىء (تَنِيا) بكسر حرف المضارعة أيضا للإتباع. والونى بفتحتين الضعف والفتور والكلال والإعياء ، والمعنى لا تنسياني بل اتخذا ذكري وسيلة في تحصيل المقاصد واعتقدا أن أمرا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكري فإن المداومة على ذكر الله توجب عدم الخوف من غيره. وأن يستحقر في نظره ما سواه لقوة نفسه واستنارة باطنه. وقيل : أراد بالذكر تبليغ الرسالة فإن الذكر يقع على كل العبادات فضلا عن أعظمها فائدة وأتمها عائدة. وقيل : اذكرني عند فرعون وقومه بأني لا أرضى بالكفر وأعاقب عليه وأثيب على الإيمان وأرتضيه ، وبالجملة كل ما يتعلق بالترهيب والترغيب. ما الفائدة في تكرير قوله (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ)؟ والجواب بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ، أو الأول أمر بالذهاب إلى كل بني إسرائيل والقبط ، والثاني مخصوص بفرعون الطاغي. ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه أصل ، أو هو كقوله (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) [البقرة : ٧٢] والقاتل واحد منهم. ويحتمل أن هارون قد حضر وقتئذ فقد روى أن الله عزوجل أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى. وقيل : ألهم بذلك. وقيل : سمع بخبره فتلقاه.
سؤال : لم أمرا بتليين القول للعدوّ المعاند؟ جوابه لأن من عادة الجبابرة إذا أغلظ لهم في الكلام أن يزدادوا عتوا وعلوا. وقيل : لما له من حق تربية موسى شبه حق الأبوة. وكيف ذلك القول اللين؟ الأصح أنه نحو قوله تعالى (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) [النازعات : ١٨ ، ١٩] لأن ظاهره الاستفهام والمشهورة وعرض ما فيه صلاح الدارين. وقيل : أراد عداه شبابا لا يهرم بعده ، وملكا لا ينزع منه إلا بالموت ، وأن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته. حكى عمرو بن دينار قال : بلغني أن فرعون عمر أربعمائة وتسعا وستين سنة. فقال له موسى : إن أطعتني فلك مثل ما عمرت فإذا مت فلك الجنة. وقيل : أراد كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث : أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة. ويحتمل أن يكون أمر بالقول اللين لأنه كان في موسى حدة وخشونة. بحيث إذا غضب اشتعلت قلنسوته نارا فعالج حدته باللين ليكون حليما في أداء الرسالة. ومعنى الترجي في (لَعَلَّهُ) يعود إلى موسى وأخيه أي اذهبا على رجائكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو أن يثمر سعيه فعساه يتذكر بأن يرجع من الإنكار إلى الحق رجوعا كليا