ونفرهم عنه بأنه ساحر ، والطباع نفور عن السحر وبأنه يقصد إخراجكم من دياركم ـ وهذا أيضا مما يبغض القاصد إليهم ـ وبأنه يريد أن يذهب بأشراف قومكم وأكابركم قالوا وهم بنو إسرائيل لقول موسى أرسل معنا بني إسرائيل وجعلها الزجاج من باب حذف المضاف أي بأهل طريقتكم المثلى وسموا مذهبهم الطريقة المثلى والسنة الفضلى لأن كل حزب بما لديهم فرحون. والمثلى تأنيث الأمثل أي الأشبه بالحق ، ومنهم من فسر الطريقة هاهنا بالجاه والمنصب والرياسة وكان الأمر على ما يقال به. من قرأ (فَأَجْمِعُوا) من الجمع فظاهر ، ومن قرأ من الإجماع فمعناه اجعلوا كيدكم مجمعا عليه حتى لا تختلفوا نظيره ما مر في سورة يونس (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [الآية : ٧١] سماه كيدا لأنه علم أن السحر لا أصل له. وقال الزجاج : معناه ليكن عزمكم كلكم كالكيد مجمعا عليه. ثم أمرهم بأن يأتوا صفا أي مصطفين مجتمعين ليكون أهيب في الصدور وأوقع في النفوس. وعن أبي عبيدة أنه فسر الصف بالمصلى أي مصلى من المصليات أو هو علم لمصلى بعينه لأن الناس يصطفون فيه لعيدهم وصلواتهم. (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) أي فاز من غلب وهو اعتراض. واعلم أن قصة السحرة أكثرها يشبه ما مر في «الأعراف» وقد فسرناها هنالك فنحن الآن نقتصر ونذكر ما هو المختص بهذه السورة. (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) أي اختر أحد الأمرين إلقاءك أو إلقاءنا (فَإِذا حِبالُهُمْ) هي «إذا» المفاجأة وأصلها الوقت أي فاجأ موسى وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم. قال وهب : سحروا أعين موسى عليهالسلام حتى تخيل ذلك. وقيل : أراد أنه شاهد شيئا لو لا علمه بأنه لا حقيقة لذلك الشيء لظن فيها أنها تسعى فيكون تمثيلا (فَأَوْجَسَ) أضمر (فِي نَفْسِهِ خِيفَةً) هو مفعول (فَأَوْجَسَ) و (مُوسى) فاعله أخر للفاصلة. وذلك الخوف إما من جبلة البشرية حين ذهل عن الدليل وهو قول الحسن ، وإما لأنه خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه قاله مقاتل ، أو خاف أن يتأخر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت ، أو خاف أن يتفرق بعض القوم قبل أن يشاهدوا غلبته ، أو خاف تمادي الأمر عليه وتكرره فأزال الله تعالى خوفه مجملا بقوله (إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) وفيه من أنواع التأكيد ما لا يخفى وهي الاستئناف والتصدير بأن ، والتوسيط بالفصل ، وكون الخبر معرفا ولفظ العلو ومعناه الغلبة وصورة التفضيل ولا فضل لهم ومفصلا بقوله (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) لم يقل عصاك لما علم في الأعراف ولما في هذه السورة (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ) وقال جار الله : هو تصغير لشأن العصا وتهوين لأمر السحرة أي ألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك فإنه بقدرة الله يبتلع (ما صَنَعُوا) أي زوّروا وافتعلوا على وحدته وكثرتها وصغره وعظمها ، أو هو تعظيم لشأنها أي لا تحفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة لأن في يمينك شيئا أعظم شأنا من كلها (إِنَّما صَنَعُوا) إن