الذي افتعلوه كيد سحر أي ذي سحر ، أو ذوي سحر ، أو هم في توغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه ، أو الإضافة للبيان أي كيد هو سحر كقولك «علم فقه» وإنما وجد ساحر فيمن قرأ على الوصف ليعلم أن المقصود هو الجنس كما قال.
(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ) أي هذا الجنس ولو جمع لأوهم أن المراد هو العدد وإنما نكر أولا لأن المراد تنكير الكيد كأنه قال : هذا الذي أتوا به قسم واحد من أقسام السحر أو من أفعال السحرة وجميع أقسام السحر ، وأفراد السحرة لا فلاح فيها ومن نظائره «إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة». ومعنى سبهللا أنه يجيء ويذهب في غير شيء. ومعنى (حَيْثُ أَتى) أينما كان وأية سلك (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) قال جار الله : سبحان الله ما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود ، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر في السجود ، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين!. وروي أنهم لم يرفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار أو أثواب أهلها ، وعن عكرمة : لما خروا سجدا أراهم الله في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة. واستبعده القاضي لأنه كالإلجاء إلى الإيمان وأنه ينافي التكليف. وقلت : إذا كان الإيمان مقدما على هذا الكشف فلا منافاة ولا إلجاء. ثم إن فرعون لعب لعب الحجل وأنكر عليهم إيمانهم وألقى شبهته في البين أنه كبيرهم أي أسحرهم وأعلاهم درجة في الصناعة ، أو معلمهم وأستاذهم من قول أهل مكة للمعلم «أمرني كبيري» أي أستاذي في العلم أو غيره ، وأوعدهم بقطع الأيدي والأرجل (مِنْ خِلافٍ) قال في الكشاف : «من» لابتداء الغاية لأن القطع مبتدأ وناشيء من مخالفة العضو والعضو لا من وفاته إياه. قلت : الأولى أن يقال الخلاف هاهنا بمعنى الجهة المخالفة حتى يصح معنى الابتداء أي لأقطعن أيديكم وأرجلكم مبتدأ من الجهتين المتخالفتين يمينا وشمالا ، فيكون الجار والمجرور في موضع الحال أي لأقطعنها مختلفات الجهات. قيل (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي عليها والأصوب أن يقال : هي على أصلها شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن المظروف في الظرف (أَيُّنا أَشَدُّ) أراد نفسه وموسى وفيه صلف باقتداره وقهره وما ألفه من تعذيب الناس واستخفاف بموسى مع الهزء به ، لأن موسى لم يكن قط من التعذيب في شيء قاله في الكشاف. قلت : يحتمل أن يريد بقوله (أَيُّنا) الله تعالى ونفسه لنقدم ذكر رب هارون وموسى ، وقد سبق عذاب الله في قوله (أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) وفي قوله (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) ويؤيده قول السحرة في جوابه (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى لَنْ نُؤْثِرَكَ) لن نختارك (عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) المعجزات الظاهرات (وَ) على (الَّذِي فَطَرَنا) أو الواو للقسم وعلى هذا يجوز أن يكون