وصفت بأنها أوزار كما يقال في آلات المعاصي. (فَقَذَفْناها) أي في الحفرة ، كان هارون أمرهم بجمع الحلي انتظارا لعود موسى ، أو في موضع أمرهم السامري بذلك بعد أن أوقد النار (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) مثل فعلنا أراهم أنه يلقي حليا في يده مثل ما ألقوه. وإنما ألقى التربة التي أخذها من موطىء حافر فرس جبريل كما يجيء في قوله (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) قد مر في «الأعراف» (فَقالُوا) أي السامري ومن تبعه (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) موسى أن يطلبه هاهنا فذهب يطلبه عند الطور ، أو فنسي السامري وترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر ، أو نسي الاستدلال على أن العجل لا يجوز أن يكون إلها بقوله (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) «أن» مخففة من الثقيلة ولهذا لم تعمل. وقرىء بالنصب على أنها الناصبة. قال العلماء : ظهور الخوارق على يد مدعي الإلهية جائز لأنه لا يحصل الالتباس ، وهاهنا كذلك فوجب أن لا يمتنع خلق الحياة في صورة العجل. وروى عكرمة عن ابن عباس أن هارون مر بالسامري وهو يصنع العجل فقال : ما تصنع؟ فقال : أصنع ما ينفع ولا يضر فادع لي. فقال : اللهم أعطه ما سألك. فلما مضى هارون قال السامري : اللهم إني أسألك أن يخور فخار. وعلى هذا التقدير يكون معجزا للنبي لا السامري. ثم إنه سبحانه أخبر أن هارون لم يأل نصحا وإشفاقا في شأن نفسه وفي شأن القوم قبل أن يقول لهم السامري ما قال. أما شفقته على نفسه فهي أنه أدخلها في زمرة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ، أما الامتثال فإنه امتثل في نفسه وفي شأن القوم أمر أخيه حين قال لهم (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) قال جار الله : كأنهم أول ما وقعت عليه أبصارهم حين طلع من الحفرة فتنوا به واستحسنوه فقبل أن ينطق السامري بادرهم هارون فزجرهم عن الباطل أولا بأن هذا من جملة الفتن.
ثم دعاهم إلى الحق بقوله (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) ومن فوائد تخصيص هذا الاسم بالمقام أنهم إن تابوا عما عزموا عليه فإن الله يرحمهم ويقبل توبتهم. ثم بين أن الوسيلة إلى معرفة كيفية عبادة الله هو اتباع النبي وطاعته فقال (فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) وهذا ترتيب في غاية الحسن. واعلم أن الشفقة على خلق الله أصل عظيم في الدين وقاعدة متينة. روى النعمان بن بشير عن النبي صلىاللهعليهوسلم «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (١) ويروى أن
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الأدب باب : ٢٧. مسلم في كتاب البر حديث ٦٦. أحمد في مسنده (٤ / ٢٦٨ ، ٢٧٠).