رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينا هو جالس إذا نظر إلى شاب على باب المسجد فقال : من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه. فسمع الشاب ذلك فولى وقال : إلهي وسيدي هذا رسولك يشهد عليّ بأني من أهل النار وأنا أعلم أنه صادق ، فإذا كان الأمر كذلك فأسألك أن تجعلني فداء أمة محمد صلىاللهعليهوسلم وتشعل النار بي حتى يبر يمينه ولا تسفع النار أحدا. فهبط جبريل وقال : يا محمد بشر الشاب بأني قد أنقذته من النار بتصديقه لك وفداء أمتك بنفسه وشفقته على الخلق. قال أهل السنة هاهنا : إن الشيعة تمسكوا بقوله صلىاللهعليهوسلم «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» (١). ثم إن هارون ما منعته التقية في مثل ذلك الجمع بل صعد المنبر وصرح بالحق ودعا الناس إلى متابعته ، فلو كانت أمة محمد صلىاللهعليهوسلم على الخطأ لكان يجب على عليّ كرم الله وجهه أن يفعل ما فعل هارون من غير تقية وخوف. وللشيعة أن يقولوا : إن هارون صرح بالحق وخاف فسكت ولهذا عاتبه موسى بما عاتب فاعتدر بـ (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) [الأعراف : ١٥] وهكذا علي رضياللهعنه امتنع أولا من البيعة فلما آل الأمر إلى ما آل أعطاهم ما سألوا. وإنما قلت هذا على سبيل البحث لا لأجل التعصب. ثم إن القوم قابلوا حسن موعظة هارون بالتقليد والجحود قائلين (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) ولا يخفى ما في هذا الكلام من أنواع التوكيد من جهة النفي بـ «لن» ، ومن لفظ البراح والعكوف ، ومن صيغة اسم الفاعل ، ومن تقديم الخبر. ثم حكى ما جرى بين موسى وهارون بعد الرجوع وقوله (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ) كقوله (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف : ١٢] في أن «لا» هذه مزيدة أم لا؟. وقد مر في «الأعراف». وفي هذا الإتباع قولان : فعن ابن عباس ما منعك من اتباعي بمن أطاعك واللحوق بي وترك المقام بين أظهرهم. وقال مقاتل : أراد الإتباع في وصيته كأنه قال : هلا قاتلت من كفر بمن آمن ومالك لا تباشر الأمر كما كنت أباشره. قال الأصوليون : في قوله (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) دلالة على أن تارك المأمور به عاص والعاصي يستحق العقاب لقوله (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) [الجن : ٢٢] فيعلم منه أن الأمر للوجوب. واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بأن موسى عليهالسلام هل أمر هارون باتباعه أم لا؟ وعلى التقدير فهارون أتبعه أم لا؟ فإن لم يأمره أو أمره ولكن اتبعه فملامته لهارون من غير جرم تكون ذنبا ، وإن أمره ولم يتبعه كان هارون عاصيا. وأيضا قوله (أَفَعَصَيْتَ) بمعنى الإنكار. فإما أن يكون موسى
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب : ٩. الترمذي في كتاب المناقب باب : ٢٠. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب : ١١. أحمد في مسنده (١ / ١٧٠ ، ١٧٧ ، ١٨٥).