وحين فرغ من قصة موسى شرع في تثبيت رسولنا صلىاللهعليهوسلم فقال : (كَذلِكَ) أي نحو اقتصصنا عليك قصة موسى وفرعون والسامري (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ) سائر أخبار الرسل مع أممهم تكثيرا لمعجزاتك. ثم عظم شأن القرآن بقوله : (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) أي ما ذكر فيه كل ما يحتاج إليه المكلف في دينه وفي دنياه والوزر العقوبة الثقيلة التي تنقض ظهر صاحبها ، أو المراد جزاء الوزر وهو الإثم (خالِدِينَ فِيهِ) أي في ذلك الوزر أو في احتماله (وَساءَ) فيه ضمير مبهم يفسره (حِمْلاً) والمخصوص محذوف للقرينة أي ساء حملا وزرهم. واللام في (لَهُمْ) للبيان كما في (هَيْتَ لَكَ) [يوسف : ٢٣] ويجوز أن يكون «ساء» بمعنى «قبح» ويكون فيه ضمير الوزر. وانتصب (حِمْلاً) على التمييز و (لَهُمْ) حال من (حِمْلاً) ولا أدري لم أنكره صاحب الكشاف ، اللهم إلا أن يمنع وقوع الحال من التمييز وفيه نظر. قال ابن السكيت : الحمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة ، وبالكسر ما كان على ظهر أو رأس. وفي الصور قولان : أشهرهما أنه القرن يؤيده قوله : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) [المدثر : ٨] وإنه تعالى يعرّف أمور الآخرة بأمثال ما شوهد في الدنيا ومن عادة الناس النفخ في البوقات عند الأسفار وفي العساكر فجعل الله تعالى النفخ في تلك الآلة علامة لخراب الدنيا ولإعادة الأموات. وأقربهما من المعقول أن الصور جمع صورة يؤكده قراءة من قرأ بفتح الواو. يقال : صورة وصورة كدرة ودرر. والنفخ نفخ الروح فيها ولكنه يرد عليه أن النفخ يتكرر لقوله تعالى : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) [الزمر : ٦٨] والإحياء لا يتكرر بعد الموت إلا ما ثبت من سؤال القبر وليس هو بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ). عن ابن عباس : هم الذين اتخذوا مع الله إلها آخر. وقال المعتزلة : هم الكفار والعصاة. وفي الزرق وجوه : قال الضحاك ومقاتل : إن الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب ، لأن الروم أعداؤهم وإنهم زرق العيون ، ومن كلامهم في صفة العدوّ «أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين». وقال الكلبي : (زُرْقاً) أي عميا. قال الزجاج : يخرجون بصراء في أول أمرهم لقوله : (لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) [إبراهيم : ٤٢] ولقوله : (اقْرَأْ كِتابَكَ) [الإسراء : ١٤] ثم يؤل حالهم إلى العمى وإن حدقة من يذهب نور بصرة تزرق. وقيل : (زُرْقاً) أي عطاشا لقوله : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) [مريم : ٨٦] فكأنهم من شدة العطش يتغير سواد عيونهم حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي (يَتَخافَتُونَ) يتسارون (بَيْنَهُمْ) من شدة خوفهم أو لأن صدورهم امتلأت رعبا ، وهؤلاء يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا إما لأنها أيام سرورهم وهن قصار ، وإما لأنها قد انقضت والذاهب قليل وإن طال ولا سيما بالنسبة إلى الأبد السرمدي كأن ظنينهم يقول : قدر لبثنا في الدنيا بالقياس إلى